الوعي أحد مصادره الطبيعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أنهينا مقالنا السابق وعنوانه «الذائقة لا علاقة لها بالتعليم»، بسؤال: ألا يمكن أن يكون للذائقة علاقة بالوعي وليس التعليم؟ ما أثار فضول بعض القراء ليسألوا: ما الفرق بين الوعي والمعرفة؟ وهذا سؤال مهم، لكنه يحتاج لمقال آخر. كما وصلني تعليق على المقال الماضي من سطر واحد، يقول إن «الموروث الثقافي أحياناً يغني أميّة المتلقي». وهو متوافق مع نظرتنا إلى استقلالية الذائقة عن التعليم.

نعود للإجابة عن سؤالنا السابق، وهي نعم؛ هنالك علاقة للذائقة بالوعي، وغالباً ما يكون مصدره المحيط المادي للشخص، وتمثله الطبيعة، التي كانت، منذ فجر الخليقة وحتى اليوم، المدرسة الأولى التي وعّته، بجعله يدرك ما يرى، ويستوعب ماهية الأشياء والأحياء، ويستمع إلى الأصوات، ويرقب الظواهر، ليختزن صورها والإحساس بها، ويبلور نحوها مشاعر شتى تفضي به إلى حالات نفسية مختلفة؛ فالطبيعة بهذا المعنى كانت تمارس دور المعلم الأول للإنسان الذي منحته الوعي. والوعي له الريادة على التعليم والعلوم، فهذه بالنسبة للوعي تعد متتاليات، تتابعت لاحقاً، لتسد الثغرات التي خلّفها الوعي في جداره، وتكمل النقص بإضافة المعرفة العلمية، لتكون بذلك جهوزية الإنسان للحياة قد اكتمل إطارها النظري. والمهم القول إن الوعي لا بد من أن يكون منشأه فيزيائي.

واللجوء إلى القواميس قد يكون مفيداً، فقاموس كامبريدج يصف الوعي بأنه «حالة فهم وإدراك شيء ما». وأما قاموس أكسفورد فيصفه بأنه «حالة دراية المرء بمحيطه والاستجابة له». وهذه تتم من الاحتكاك بالطبيعة عبر الحواس.

فحينما يولد الإنسان ويترعرع في الأرياف، بعيداً عن التعليم والمعرفة العلمية، يكتسب وعياً وينمي ذائقة، تلعب فيها الطبيعة دوراً رئيسياً، وإذا ما أضفنا لذلك المرويات الشفاهية التي يسمعها الشخص في البيت والمجالس والحقول، يكون بذلك قد اكتسب وعياً بالموروث، الذي يثري الذائقة في تشكلها. وهنا تأتي أهمية التعليق من أن «الموروث الثقافي أحياناً يغني أميّة المتلقي».

Email