الذائقة لا علاقة لها بالتعليم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما قرنت الذائقة بالتعليم لدى الشخص، وربما لست الوحيد الذي فكر على هذا النحو، بل هنالك كثر ممن يوافقونني الرأي أو النظرة، ورغم علمي أن من مهام الزمن تكفله بتغيير القناعات والمفاهيم، والطبيعة والأشخاص أنفسهم، إلا أنه لم ينجح معي في سعيه الدؤوب. ثمة أسباب لا ريب في ذلك. لكن سؤالاً ظل يلازمني: هل كنت على حق في ربطي للذائقة بالتعليم، أم أنني تعسفت في المسألة، ولا علاقة للذائقة بالتعليم البتة؟

هذا الاستهلال أفضى إلى تتبع معلومات لها صلة بالمسألة؛ ففي العام (1925)، التقت فاطمة البلتاجي بأبي العلا محمد، الذي أصبح معلمها الأول، الذي علمها الإنشاد الديني، لتمارسه في أرياف مصر وقراها، لكن عين الفتاة التي لما تبلغ الثلاثين بعد، كانت على القاهرة، مدينة الحالمين بالشهرة، من فنانين وكتاب ومفكرين، إلا أنها توجست خيفة كبيرة من الذهاب إلى القاهرة، ففي العاصمة تتسيد المغنى نجاة علي ومنيرة المهدية، فما المصير المنتظر لمنشدة مغمورة قادمة من الأرياف؟ لكن أم كلثوم نجحت في القاهرة بذكائها، ساعدها قوة الصوت، حسن اختيارها لكلمات أغانيها، وإدراكها الجيد لمكونين مهمين في الشخصية المصرية: العاملان الديني والوطني.

في المغنى الديني اختارت لشوقي «سلو قلبي، نهج البردة، الهمزية - 1946»، وختمتها بـ«إلى عرفات الله 1965». لتبدأ الفترة الوطنية، وكان لشوقي فيها «نجا وتماثل ربانها، وعيد الدهر، وقصيدة النيل»، ثم لأحمد رامي «مصر التي في خاطري، 1952». إضافة إلى أبي العلا في الريف، والشاعرين شوقي ورامي في القاهرة، تبناها موسيقياً السنباطي والقصبجي. فكانت أم كلثوم تحظى بشعبية في المدينة والريف لا سابق لها في التاريخ.

والمفارقة الأهم هنا، ما كتبه الدكتور أحمد يوسف علي في كتابه «أم كلثوم»: كانت الذائقة الفنية الشعبية عالية في الفترة الكلثومية، والغريب أن الأمية القرائية كانت عالية هي الأخرى وقتذاك. لكن يمكن أن نسأل: هل من علاقة للذائقة بالوعي؟

Email