ختمت حديثها بــ«طفح الكيل»، بعد أن روت قصتها بابتسامة ساخرة يشوبها الحزن واليأس، وتقول: رغم ما أمتلكه من خبرة وشهادات علمية تناسب المنصب الشاغر، كان رد إحدى الجهات قوياً وصادماً بأنني غير مؤهلة للمنصب الذي يتنافس فيه أصحاب المهارات العالية التي لا نجد أنها تتوافر فيك.

حديثها جعلني أؤمن بأن أسطوانات التوظيف المشروخة في بعض جهات العمل لن تكف عن اللف والدوران، ثمة عقول مكبلة بقواعد وأنظمة حديدية لا تتزحزح من مكانها تحت أي ظرف، فما الخبرة التي ترجوها تلك الجهات من الخريجين الجدد الذين لم يسبق لهم العمل؟ ولأي سبب تقلل من حجم أصحاب الدرجات العلمية ممن يمتلكون الخبرة، وأصحاب الشهادات «المتواضعة» رغم مهارتهم؟

لا يختلف اثنان في أن المعادلة المتوازنة بإدخال المؤهلات والمهارات إلى جانب الشهادة، هي إحقاق للحق، واستثمار أمثل ينهض بالفرد والمؤسسة، ولكن الأمر يحتاج لروية، فالخريج المتقدم لوظيفة ما يحتاج فرصة لتعزيز مهاراته بدلاً من الرفض غير المبرر، والتلويح بالخبرة شرطاً تعجيزياً بدلاً من استثمار القدرات، فتضيع الفرص بين من يطلب الشهادة ومن يطلب الخبرة، ويخسر في كلتا الحالتين أصحاب الدرجات العلمية الذين ضاعت فرصهم تحت ذريعة «أنهم أصحاب مهارات عالية» ولا شواغر تتسع لهم.

وحتى لو كانت الخبرة نتاج ممارسة العمل سنوات، إلا أن الخريج قادر على تأهيل نفسه واكتساب المهارات اللازمة في مجال تخصصه، وحتى لو عمل بشكل تطوعي يكسبه الخبرة، كما أن بعض المؤسسات كانت حاضنة، وحققت نجاحات كبيرة في استقطاب الخريجين الشباب وتدريبهم ليكتسبوا كل المهارات اللازمة، ومن ثم تعيينهم، إلا أن بعض الجهات ما زالت ذات أفق ضيق ومحدود، وما زالت تسن المعايير التعجيزية. ألم يحن الوقت بعد لتلك الأبواب الموصدة أن تفتح على مصراعيها؟