كثيراً ما ألاحظ في الآونة الأخيرة، موجات غضب عارمة على الواقع الافتراضي بمنصاته المختلفة، وما أحدثته من فجوات خطيرة في شخصية وسلوك الأطفال، والغريب أن هؤلاء الغاضبين من تبعات هذه المنصات الافتراضية، هم أنفسهم ممن يستحوذون على حضور كبير فيها ولديهم محتوى مؤثر، والأكثر غرابة، أن بعضهم لم يقدم حلاً قط.
لنكن منصفين، لا شك أن العالم الافتراضي يشكل تهديداً للتربية الوالدية، بحيث أصبح العديد من الآباء أمام وضع لا يحسدون عليه، فتجد غالبيتهم يتركون أبناءهم يفعلون ما يشاؤون لأنهم عاجزون عن مجاراة هذا الوضع الجديد، ليكتفوا بالمشاهدة. عجز يعود في الحقيقة إلى مجموعة من العوامل من بينها طبيعة العمل، والأمية الإلكترونية لدى بعض الآباء، وانعدام الوعي بمخاطر العوالم الافتراضية، فمثلاً من الصعب أحياناً أن تقنع البعض أن للألعاب الإلكترونية انعكاسات سلبية على المستوى النفسي والاجتماعي، وفي ظل انعدام هذا الوعي بمخاطر العالم الافتراضي والتسليم لتبعاته، يجد الطفل متنفساً ومجالاً له يعبر من خلاله عن مكبوتاته، مؤمناً أنه عالم مصمم لاحتياجات جيله، والتي لا يفقهها الوالدان بنظره.
والمؤسف هنا، أن هذا العالم المتنصل من منظومة القيم، أفقد الأطفال مفهوماً مهماً وهو مفهوم القدوة، فلم يعد الآباء يجيبون عن كل الأسئلة التي يطرحها الأطفال، ليتخذ الأبناء العالم الافتراضي بسلبياته ملاذاً لهم، معتقدين أنه عالم يجيب عن كل شيء.
وأمام هذا الوضع الذي تنعدم فيه الرقابة وتتضارب به الأحكام الأخلاقية، ماذا لو تنازلنا عن تسليمنا؟، ماذا لو رفضنا الامتثال وتكليف هذا العالم بتشكيل هوية أبنائنا؟، ماذا لو رقينا معرفتنا الافتراضية لنجاري أطفالنا ونفهم ما يعيشونه وما يتعاملون معه؟، ماذا لو منحناهم وقتاً كافياً لنعمق الصلات التي وهنت والثقة التي تشتتت في عالم فسيح؟، ماذا لو أصبحنا مجدداً القدوة التي يحتاجها أبناؤنا؟.
فلو استطعنا أن نمكن بعض إجابات هذه التساؤلات على أرض الواقع، أعتقد أننا سنعيش مرحلة تغيير حقيقية في التربية.