عندما تصبح الكلمة رصاصة

لكل شيء موضعه الصحيح، ولكل شيء مكانه الطبيعي، حتى الآراء والحوار وما يكتب من كلمات تحمل وجهات نظر، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، لها مكانها الطبيعي، وإذا وضعت في مجلس أو بين أناس غير متعلمين أو على غير معرفة، فإنك لن تجد إلا صدى فارغاً من التفاعل أو الكلمات الجارحة التي توجه لك، وهي في نهاية المطاف قد تجلب البؤس والإحباط، وتسبب تراجعاً ونكوزاً عن التبشير بما تعرفه.. يقول الفيلسوف الشهير وعالم الرياضيات فيثاغورس: «لا ترم جواهرك أمام الخنازير، فالكلمات غذاء العقل، والدناءة لدى البعض تحرفها لمعنى فاسد، والجهلة والأغبياء يسخرون مما لا يستطيعون فهمه، وبذلك فإنك تجلب حكمة الحكماء إلى مواقع الهزء وانثلام السمعة، لهذا السبب أحتفظ بالحكمة للعقلاء».

نحن ننسى أن لمفرداتنا أثراً بالغاً ولا ننتبه لها، ستجد ملامح من مثل هذه القسوة على ألسنة البعض من المعلمين الذين يوبخون التلامذة ويصفونهم بالفشل أو الغباء، وأيضاً ستجدها على ألسنة البعض من الأمهات أو الآباء، الذين يصفون أبناءهم بالعقوق أو عدم تحمل المسؤولية وعدم الطاعة، وغيرها كثير. ولعل مقولة قرأتها توضح هذا المعنى، وفي الحقيقة لا أعرف قائلها، وتقول:

«لو ضربت طفلاً ضربة خفيفة وأنت توبخه سيبكي، ولو ضربته ضربة أقوى وأنت تمازحه لضحك، لأن الألم النفسي أشد إيذاءً من الألم الجسدي». وبغض النظر عن دقة هذا المعنى، إلا أن له وجهاً من الصحة والواقعية، فالتحطيم والشتم والتهوين والتقليل من الشأن قد تهبط بالشخص نحو الحضيض وتدمر حماسه ورغبته للتفوق والتقدم والنجاح، والقصص في هذا السياق كثيرة ومتنوعة.

والذي نصل له أنه يجب علينا جميعاً، اختيار كلماتنا بدقة، وعدم ترك العنان لغضبنا، ومن ثم إلقاء الكلمات جزافاً دون تمعن أو محاسبة، فهذا مؤذٍ تماماً، وهذا الأذى قد يستمر مطولاً، وكما قيل: «الكلمة الجارحة تشبه طرقك للمسمار في الخشب، والاعتذار كنزعك ذلك المسمار، لكن أثره يبقى على الخشب». وكما قيل أيضاً: «الكلمة الجارحة تشبه الرصاصة». فلنختر كلماتنا بدقة وتأنٍ.