في ثقافة القهوة العربية الأصيلة، ثمّة عرف خاص لفناجينها، فنجان للهيف، وثانٍ للضيف، وثالث للكيف، أما الرابع فهو للسيف.

وهو الجامع لأبناء العشيرة، حين يتعرضون للضيم والعدوان، ودلالات أوسع، توقظ في طقوسها الخمول في نفوسنا، وتمتمات الإلهام المركونة بين طيات حروفنا، ولأنها «مزاج»، تشبه طقوس القهوة إلى حد كبير انخراطنا في علاقتنا، مراحلها الأولى وتطوراتها، وإلى ما تؤول إليه بعد حين، إذ تبدأ طقوس فنجان العلاقات الأولى بقصة ناضحة بالرائحة العذبة بين أفكار متلاحمة، ثم فنجان ثانٍ للتجارب المتشابهة التي تتحوّل فيها الأحاسيس المتراكمة إلى حوار طويل غير ممل، نهوى كل تفاصيله ونذكرها عن ظهر قلب.

ثم فنجان ثالث حينما تنشأ تلك الكيمياء العجيبة بعد توالي الحوارات، متجاوزة قفص الجسد نحو ما هو أرحب، ثم شعور فنجان رابع أخير للنصر الأبدي بين عقول وأفكار رسمت على ناصية الألفة إيقاع التجارب والروائح والأغاني القديمة والتحام الاهتمامات الواحدة.

فالإحساس المتقد من العلاقات الاجتماعية هو ذلك التّدفق النّابع منّا، العائد إلينا، المحمّل برسائل عدّة ذات صلة بالعالم الخارجيّ أو المنقطعة عنه، فتارة ننشغل بما يدور داخلنا، وتارة بما يدور حولنا، نعيش تلك الجدليّة المستمرة، فلا نتوقف عن القراءة والتأويل والحوار واللقاء أبداً، تشبه تلك الحاجة إلى حد كبير «كيف» قهوتنا، وما تحدثه في أرواحنا بدءاً بملمسها ورائحتها ورشفاتها الغنية بالحب، التي ما إن يصل بها «كيفنا» إلى قمة مبتغاه من الإلهام، حتى نهز فنجاننا تعبيراً عن اكتفائنا، إلا أننا بعلاقتنا بمن حولنا، وخاصة بمن يستحوذون على مساحات شاسعة من أرواحنا، لا نكتفي البتة من أي فنجان، ونبقى في حاجة عميقة للمزيد من رشفات حوار القلوب ولغة العيون، وصمت البوح.

فعلاقتنا الجميلة تتجاوز سريعاً مرحلة «الهيف» و«الضيف»، وحينما تمر «بالكيف» تتقد في أوج ازدهارها، لتصبح «سيفاً» نجتث به مفاصل الألم، لنمضي في ديمومة ألفة، تستمر بها الحياة.