غرق جاف !

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أشعر بالاستغراب حينما قرأت أن الأخبار الحقيقية تأخذ مقداراً من الزمن، يناهز 6 أضعاف الوقت، الذي تستغرقه الأخبار الزائفة، لتصل إلى 1500 شخص تقريباً، وهو بالواقع فارق كبير جداً، يعطي لمحة خاطفة وسريعة عن القدرة الخارقة للأخبار الزائفة، التي يزيدها تطور النواقل عنفواناً وانتشاراً.

بيئة ذات منصات مليونية، وجيوب همها أن تتضخم، وعقول فارغة تمتهن إعادة تشكيل الفهم، ورؤوس مختنقة بالفراغ، رباعية تؤطر هذه السوق السوداء، حتى أكسب هذا الجانب المظلم منصات ومواقع التواصل الاجتماعي سمعة سيئة، ووجه إليها إصبع الاتهام في أحيان كثيرة، كونها تسهل عرض وتداول الأخبار المضللة بكل سهولة ويسر لكل الأطياف، وبجزء من الثانية من دون عين الرقيب.

لا سيما حينما تكون الصورة والفيديو الأرض الخصبة، التي تنمو في حدودها عمليات التأثير، ولما لهما من سطوة وسلطة كبيرة جداً على المتلقين، وجاذبية تعمل على إعادة تشكيل إدراك المتلقين كثيراً من القضايا أو الأحداث ذات الجدل الواسع، سواء بالسلب أو الإيجاب، تبعاً لأيديولوجية الفاعلين، الذين يتحكمون في تقنيات صناعة الكذب وآليات التلاعب.

وعلى وجه الخصوص، حينما تحتد الحروب والأحداث السياسية على خط النار، تتسع الفجوة أكثر بين الأخبار الحقيقية والزائفة، لتتفوق الأخيرة في إحكام سطوتها على الخوارزميات، ووضع أولويات المشاهدة والتصفح وترتيبها، وتبعاً لهذا الطوفان الرقمي الأهوج، استسلمنا لثقافة استهلاكية جاهزة، أورثتنا سهولة عجيبة في الانقياد لأي خبر أو معلومة، من دون إبداء أي تحقق أو مساءلة، بعدما قدسنا الكسل العقلي على حساب إعمال التفكير، وتوظيف ملكاته النقدية والتحليلية في البحث عن الحقيقة واستخلاصها، وهي العملية التي أصبحت من الأمور النادرة، التي ستخلد قريباً على أرفف تآكل المعرفة.

وهكذا، تتسمر تقاسيم عصر «ما بعد الحقيقة»، لتتصادم مع ما نعرفه، وكيف نتقبله ونتعاطى معه، وهل نصدقه أو نكذبه، وفي مغبة كل ذلك، هل سنختنق في شهقات إدراكنا، ونغرق غرقاً جافاً بلا حقائق، كحال بعض الخطابات السياسية اليوم، التي قطعت الحدود، وعادت بلا حلول؟

Email