في البيت الكبير..

ت + ت - الحجم الطبيعي

على حدود اللازمن، تلتقي كل تلك الوجوه، بشوقها وشقائها، بتعبها وعتابها، تتحلق زمراً على تخوم الوقت، ترتشف الحنين من قِربة البيت الكبير، البيت الذي حفظ ملامحنا وأصواتنا ونقاشاتنا الطويلة، الذي لَم شَعث أحلامنا واحتوى بِرفق آلامنا، أُتراه يعيش غربة اليوم، بعدما تسللت أصوات أفكارنا خارج أسواره إلى طرقات اللاحدود؟ أم بات حائراً يعاني صراع الثوابت وارتطام القناعات والتصفيق للأعلى صوتاً..!

في البيت الكبير، حينما تطورت أجيال متلاحقة على تضاريس الوقت، وتغذت من قناعات متباينة، بات الاختلاف يفسد الكثير من الود، بعد أن اتسعت الفجوة بين جيل الأجداد والأبناء والأحفاد، وتغيرت مفاهيم التعاطي مع التقاليد والعادات، وإدراك الاختلاف، وتبني قيم المجتمع وما يفرضه من صواب وخطأ، فتخرج بعض هذه النقاشات عن كونها جلسة عائلية ودية، إلى اضطراب وحِدية، يُفرط فيها أحد الأجيال في التعصب لرأيه، ويكاد لا يعطي الطرف الآخر من جيل مختلف أي مجال للصد أو الرد، أو قد يستمع إليه على مضض، تاركاً تقاسيم وجهه تعبر عن استيائه أو عدم اقتناعه، ليخرج الحوار من اختلاف إلى خِلاف، ومنه إلى تطاحن يلغي هوامش الاحترام والتفاهم..!

في البيت الكبير، الآباء الذين يقفون موقفاً سلبياً من أفكار أبنائهم التي لا تتفق مع نظرتهم للحياة، هي انعكاس شفاف للمواقف التي يتبناها الأبناء تجاه أفكار آبائهم، ولا يرون فيها سوى التخلف عن مواكبة الحياة الجديدة أو التعصب المفرط، وكلا الطرفين يرتكب الخطأ نفسه، لأنه ينظر إلى الأمور من عنق الزجاجة، بنظرة محدودة تفتقد الشمولية والواقعية، ولا تراعي سُنة التطور الإنساني، وتفقد الجلسة العائلية حميميتها، وتفتح نافذة للهرولة والعزلة خارج جدران البيت الكبير..!

ولكي لا يتحول اختلاف القناعات والمبادئ «لعصا» تضرب الروابط بين الأجيال، ألم يحن الوقت بأن نمسك بها من المنتصف لخلق هدنة فكرية مرنة، كوسيلة للحب والتفاهم..؟

 

Email