شغلتني محاولة فهم الآلية الذهنية المتعلقة بمفاهيم الهوس والتبعية، التي تأسر عقولنا بأصفاد وهمية، فقط لنتجنب «النقر على الرؤوس»، خوفاً من الخروج عن القطيع، وخسارة الطموح الاجتماعي، والكسب المادي، كآلية للبقاء، مهما كلف الأمر، كالإيمان بهوس جديد على أنه «خلاص» من نوع ما.
وأرى أن متلازمة «ستوكهولم»، تشرئب بتناقضاتها، لتحل المسألة على مضض، فكثير منا يعرف تلك الحالة النفسية التي تنشأ عن رابطة بين شخصين، أحدهما يعتدي على الآخر بالمضايقة أو الترهيب أو التعنيف، وعلى الرغم من ذلك، تنشأ بينهم رابطة بمستوى عالٍ من الولاء، حتى يصل الضحية إلى درجة الدفاع عن الجاني والتضامن معه.
وهكذا تطحنه أعراض تلك المتلازمة بين رحاها، فيقوم لاإرادياً، باختلاق آلية للدفاع عن نفسه، من خلال الاطمئنان للجاني، والتعامل معه على أنه «البيدق الرابح»، الذي يفهم قواعد اللعبة، ويسمح له أن يتطاول عليه، بل يمطره بالشتائم، إن لزم الأمر، وتقبّلها على أنها مزاح غير ضار، وجلد للذات، متى ما لزم الأمر.
عاشرت كثيراً من الموظفين المخدرين والمهووسين بهذا الشكل الجديد من كبح الذات، يقدسون العمل، ويرزحون تحت وطأة خيبة الأمل، على حساب صحتهم النفسية والعاطفية، وبالمقابل، يدفعون بنيران غضبهم «كسجيل» في البيت، وفي نطاقاتهم الاجتماعية.
وبنفس الديناميكية، يتلقى الموظف بعض المعاملة الحسنة من حين لآخر، من نفس «رب العمل»، الذي يسيء إليه، وهو ما يجعله أكثر إدماناً على لعب دور الضحية والجلاد، لإيمانهم أن الاستبداد شكل جديد من الإنجاز في العمل.
وهكذا، تغدو بعض بيئات العمل، كالمستنقعات، تسيطر عليها تلك الثقافة، لترهب باستمرار موظفيها، بعواقب عدم الامتثال للتوجيهات والأوامر، والموظف الذي يستسلم للغرق في الوحل، يجد نفسه في النهاية شخصاً مسلوب الإرادة، يدور في حلقة مفرغة، لا يستطيع الخلاص منها.
بيئة العمل المنفتحة، هي الفردوس المفقود في بعض مؤسساتنا، وهي الخلاص الأبدي من الشكل الحديث لمتلازمة ستوكهولم.