على صراط الصمت والكلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا لو قررنا فجأة أن ننزع قابس الكلام من حوائط عقولنا، أن نجمد الحروف في مجرى أوردتنا، وأن نكتفي بالصمت المطبق فقط، تخيلوا معي ماذا سيحدث حينها؟

القاعدة تنص على «وتلزم أنت الصمت، فكثيراً ما يؤدي الكلام إلى سوء التفاهم»، وهي الحكمة التي أهداها الثعلب للأمير في رواية «الأمير الصغير» للروائي الفرنسي أنطوان أكزوبيري، مؤكداً حقيقة مهمة وهي أننا لن نحتاج للكثير من إعمال الفكر، لنجد أن التلازم بين الكلام وسوء الفهم دقيق إلى درجة أن الصمت يصبح الحل الوحيد في الكثير من الأحيان، بل الأسلم إن صح التعبير.

وبين معيار الفضة والذهب، هل ما زال الكلام من فضة والسكوت من ذهب؟ وبين صولات الحوارات وجولات الصمت، من ربح لقب «أقطع من الحسام» الذي وجد في زمنٍ كان للكلمة فيه وزن وأثر، أم أن السكوت أصبح الفيصل في معركة تنتهي بصمت من الطرف الثاني ليبتر حلول الأول؟

مواقف كثيرة تمر علينا اليوم، أصبحنا نجزم فيها أن بعض الكلام لم يعد يحرّك ساكناً، وبات شوكة تنغرس في صدور البعض، وهناك من يتشدق بكلام بات يضر أكثر مما ينفع، ويؤذي أكثر مما يفيد، ويزيد الهم الواحد هموماً عدة.

وفي بعض المواقف التي تتطلّب الإيضاحات صياغات تعبيرية خاصة، قد يجد أي منّا نفسه أمام أزمة غموض، إذ يصبح المرء عاجزاً مكبّل اليدين أمام ضيق ثوب اللغة على جسد الفكرة أو الإحساس المراد وصفه، فيتراوح العجز بين الشعور بأننا أسأنا التعبير وبين اعتقادنا أن الكلمات لا تسعفنا، أو أن التعبيرات التي نودّها لا تمرّ بمضائق اللغة التي نألفها، فيطبق الصمت، كيلا تغادر السهام القوس بلا رجعة.

وعلى صراط الحيرة، نقف مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إذ ضاعت الحلول وحارت أنلزم الصمت ونكسب ذهبه، أم نجنح للكلام ونظفر بفضته؟ ولكن هل بقي في مغبة هذا الصراع من يمسك العصا من الوسط بحكمة؟

Email