ليتنا ننظر إلى الجانب المضيء لأي حدث بنهج الكيف وليس الكم، فتسارع أعيننا إلى التقاط النصف المليء من الكوب «كما علمونا دوماً»، قد يكون خط الغرق في مغبة الفهم وغياب الحقيقة الكاملة.
لا أنوي رصد الطبيعة الفلسفية لمفهوم الإدراك لما يمر به مجتمعنا من تحول لا يكف عن الدوران في فلك قوالب جاهزة من الحكم والتسليم، وأتساءل.. ما الواقع؟ وأقصد هنا التساؤل عن طبيعة فهم الواقع الذي ننتمي إليه، الواقع العيني الذي نتعايش معه يومياً بعيداً عن المثالية والتطبيل، تمثلات النظرة الفاحصة للحياة، وما يجب أن تكون عليها، للطموحات المهدورة، للحكم على الأمور، أو تسليمها لمن لا يملك زمامها، كثيرة هي الأسئلة المرجأة للفكر، ولعل أكثرها غياباً في طيات الوعي سؤال المستقبل وما الآتي، ففي ظل حاضر غير متوازن، تبدو الأيام عاجزة عن طرح هذا السؤال ومقاربته بصورة عقلانية تتعلق بالحاضر، والحاضر يعني لكثير منا التغيير، والبحث عن كينونة متفردة تسعى لخلق فارق في التنمية، وبنظرة فاحصة نستطيع أن نرصد واقعاً ثابتاً يقاوم التحوّل، والذي يعدّ وريداً سوسيولوجياً يغذي نظرتنا للأمور، وفي المقابل هناك واقع متحوّل يقاوم التكلّس، ينتظر على رقع الانتظار المؤجل.
قرأت ذات مرة أن التغيير يبدأ بإيمان النخبة بفكرة، ومقاومة الجماهير لها في الوقت نفسه، ورغم إيماني بحقيقة أن البشر بطبيعتهم لا يحبون أي جديد طارئ على رتمهم، إلا أن من طبائعهم في النهاية القبول بالجديد، وإن كان على مضض؛ لأن صاحب التغيير يبقى متشبثاً بإيمانه، فالتغيير لا ينطفئ، تتلقفه بعض العقول المؤمنة به، لتبدأ الحكاية.
ولأن التغيير تغذيه الأسباب، فالفساد المجتمعي سبب، والنكوص الفكري سبب، وضعف العقلانية سبب، وأخشى أن كأسنا الممتلئة طفحت بها، وقد حان الوقت لننظر أبعد من السبب. أبعد من كأسنا المتصدعة.