أكاد أجزم أن غالبيتكم مر عليهم المثل القائل «مع الخيل يا شقرا»، وإن كنتم لا تعرفون أصل الحكاية التي تقول: إن مزارعاً كان يربي بقرة، إلا أن هذا الرجل كان يتمنى أن تكون بقرته فرساً أشقر أصيلاً، وكانت تستعر أمنيته، عندما يرى مُهور جاره الثري تدك الأرض تحتها، فيشعر بالأسى، حينما يرى بقرته السمينة لا تلوي على شيء، غير التهام العلف، التي كانت تلوك معه أحلامه الفقيرة..!

وفي اليوم التالي، وكالعادة، انطلقت مهور جاره تطوي الفلاة، فما كان من صاحب البقرة- وقد تقطعت به السبل- إلا أن أطلق سراح بقرته البليدة، وفتح لها باب زريبته صارخاً: «مع الخيل يا شقرا»، فذُهِل حينما رآها تركض بكل قوتها، كمُهرة متمردة..!

العِبرة هنا، أن «شقرا» أصبحت اليوم مضرب الأمثال لمن ينكص على عقبيه، متخلياً عن إِعْمالِ عقله، مقتفياً فعل غيره دون وعي وإدراك، أو بمعنى آخر «إمعة»..، ففي وقت مضى، كان ضرب الأمثال بغرض التوعية والإرشاد، لكنها استمرت ترمي بشرر في سياق حديث تأديبي لمنحرفي السلوك، لا سيما في لجة الاضطراب المتواتر في وسائل التواصل الاجتماعي، والجري وراء نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، التي ينشرها غيره، دون أي جهد للتقصي والبحث، من يؤمنون بفكرة القطيع، أن تكون تابعاً، لا تَهُشُك عصا الوعي عن كلأِ الوهم، ونشر الأخبار والمفارقات الكاذبة، بغرض الكسب والتجارة الرخيصة على المنصات المنكوبة، بوعي ناقص، ومحتوى مبتور بلا شفافية، ولا مصداقية..!

ثمة نظرية تنص على: «أنت تعلم، وأنا أعلم، وهو لا يعلم»، وبهذه المفارقة، أوهم المزارع بقرته بأنها خيل، وهي لا تملك من المقومات شيئاً غير لونها الأشقر، كلون أحد الخيول، فصدقته، وانطلقت لأنها لا تعلم، لكننا نعلم والآخرون أيضاً، الأمر الذي يجعلنا نؤمن أن دفة المعرفة الحقيقية، يمتلكها طرفان دون الطرف الثالث، المتمثل فيها، فكان هنا منشأ السخرية، والأمثال التي ستبقى أبد الدهر..!

إلى من لا يعلمون «اعلموا» أننا اكتفينا «بشقرا» واحدة..!