لماذا تنتشر مظاهر البؤس في العالم؟ (2-3)

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عالمنا العربي، وحتى الإسلامي، هناك العديد من الظواهر الاجتماعية التي قد تكون سبباً في حالة البؤس، أو عدم وجود ما يكفي لإعالة الأسرة. فكما هو معروف، فإن تكوين أسرة بمفهومها المجرد، يعني أن تكون أسرة معتمدة على نفسها، ولا تنتظر الدعم من الحكومة أو من الآخرين.

من أهم تلك المظاهر المؤثرة فعلاً في كيان وكينونة الأسر، هي عدم وجود تخطيط مستقبلي لما بعد فترة الزواج، وبعد أن ترزق الأسرة بالأولاد، ولفترة ما بعد أن يكبر الأولاد وتكبر معاناة الأسرة واحتياجاتها.

فغياب ثقافة الادخار، سبب كل أزمة تمر بها الأسرة أو الشخص، وهي ثقافة تنم عن سوء تصرف، وغياب وعي بأهمية ما تستهلكه، فمن حين لآخر، نجد أن هناك ديوناً وقروضاً هائلة فوق إمكانية الشخص أو الأسرة، ما يجعل السبب يعود إلى غياب معنى الميزانية، ومفهوم استعمال النقود حسب المسموح. فنجد مثلاً أن بعض تلك الأسر يتسابقون إلى أخذ قروض من أشخاص أو بنوك، ليس لشيء مهم، وإنما لكي يقضوا إجازتهم، أو شراء سيارة، أو تجديد أثاث، أو عمل حفلة عرس مكلفة، أو لمشروع فاشل، أو لوهم كاذب، أو غير ذلك، متناسين أنهم بذلك يعقّدون حياتهم بحبل القروض.

بينما تختلف الصورة تماماً في الغرب، حيث إن غرس ثقافة الادخار تبدأ في أول مراحل الطفولة، وهي ليست فقط مجرد تربية، بل هي سلوك يتم ملاحظته وتقييمه بشكل يومي من قِبل الآباء، وهو سلوك يحفظ كرامة الإنسان الغربي من ذل السؤال والديون والقروض، التي ليس لها هدف، وبالذات عندما يكبر. فالإنسان الغربي يعرف أنه سوف يعيش لوحده، ولن يساعده أحد، لا يثق بالنظام الاجتماعي كرعاية له، ولا يريد يكون عالة عليه، أو على أفراد عائلته، وتفكيره ليس مبنياً على (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب).

في الغرب تمت برمجة عقول الأبناء على حب العمل والادخار، والتخطيط بثقة للمستقبل، بحسب الإمكانات، وبحسب ما تستطيع تلك الأسر أن تقدمه لأحد أفراد العائلة، دون أن يتم ذلك على حساب الضروريات، أو سلم الأوليات لدى تلك الأسر.

ليس في الموضوع بؤس أو ابتلاء إلهي، كما يصوره البعض، بل هو سوء تخطيط، وسوء إدارة، وكذلك عبث بالمقدرات والإمكانات. فالإنسان الذي لا يعيش في حدود إمكاناته، هو إنسان يعرض نفسه وعائلته لما هو أسوأ.

باختصار، البؤس ليس مفروضاً على إي إنسان أياً كان، وكل شخص قادر على تغيير ظروفه، أو حتى من الأساس عدم تعريض حياته وحياة أسرته للمطبات والمشاكل، البؤس هو فقط مجرد أمر حتمي، لمن يتعامل بحياته وحياة أسرته بكل عبث وإهمال، وبلا مسؤولية.

 

لمتابعة المقال السابق:

ـــ لماذا تنتشر مظاهر البؤس في العالم؟ (1 - 3)

Email