وجهة نظر

«وتلك الأيام».. تصدير أمين للمعرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أرفع واجبات الإنسان في الحياة، إن هو تمكّن من إحدى المعارف، أن يصدّرها إلى الآخرين بلا تردد، ليتمكنوا منها ويستفيدوا، ثم يصدروها إلى غيرهم؛ فبعمل نبيل كهذا يمكن ضمان المحافظة على سيل المعرفة مستمراً دونما انقطاع، كنهرٍ جارٍ يصعب توقفه. وعملية كهذه تعدّ إحدى أهم رسائل الإنسان وسبباً من أسباب وجوده.

يعلم الجميع اليوم بأن القطيعة المعرفية، التي كانت الدعوة لها تعدّ «موضة» في ثمانينيات القرن الماضي، ثبت باليقين أنها مضرة وخطرة في أي علم وقعت وسياق وظفت.

ويركب المنادون بها والعاملون على التنظير لها، خطيئة تاريخية لا تغتفر، إذ يجنون بذلك على أجيال من البشر وجعلهم جهلاء، بعد دفعهم إلى منزلق خطير نحو ضياع الحقيقة؛ فما من قطيعة معرفية حدثت في أي من العلوم المحضة أو الإنسانية، إلا وخلفت ارتباكاً منطقياً في سياق التاريخ الاجتماعي للبشر.

هذه المقدمة التي بدت صارمة لكن وجيهة بتقديري، أوحت لي بها قراءة سريعة وماتعة لكتاب «وتلك الأيام» للأديبة شيخة مبارك الناخي. والكتاب حديث الإصدار 2022. لا مراء في أنه مهم ويحمل قيمة معرفية في مجاله.

لكن بعيداً عن اللغة وأسلوب السرد وعناصر التشويق التي توافر عليها، وقد نعرض لها. راعني فيه ما خص التعليم، ومجاله، كونه يتوافق مع أحد اهتماماتي؛ فقد احتوى الكتاب على زخم من المعلومات في ميدان التعليم، تنقلت فيه المؤلفة بسلاسة من ذكر لاسم مدرسة وطريقة إدارتها ومنهاجها وتاريخها، إلى أسماء المعلمين والمعلمات الذين تناوبوا على التعليم فيها وآثارهم.

ومن المشكلات التي كانت تعاني منها هذه المدرسة، إلى تلك المدرسة التي تميزت بأنشطتها الثقافية وأدائها مقارنة بالأخريات. والشاهد أن الكتاب بهذا لا يكون مقتصراً على السيرة الثرية للكاتبة، إنما كتب تاريخ الآخرين ممن شكلوا محيطها الأثير الذي عايشته وتعايشت معه لمديات زمنية طويلة. وهذه ترجمة عملية لتصدير المعرفة إلى الآخرين بدقة ومسؤولية.

Email