فكر واكتب دون هوادة أو توقف!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

المنجز المكتوب نفسه وعلى مختلف أنواعه الأدبية يعاني من إشكالية عميقة لدى البعض، فهو عاجز عن بلوغ الكمال الوصفي الذي ينجح الصوت فيه تماماً، بينما تتعثر الكلمة المكتوبة وقد تكون قاصرة ومتواضعة؛ فالمكتوب لا يمكنه أبداً نقل روح الصوت وما يحمله من مشاعر، فهو شكل يقرأ ويفهم وفق حدود وأطر محددة، أما الصوت فله نغمة تطرب الأذن، يشعر بالحياة والمشاعر.

في هذا السياق يقول الروائي والشاعر النيجيري غابرييل أوكارا في بداية روايته الصوت: «تصعب محاولة الكاتب التعبير عن أفكاره حتى إذا حاول في لغته نفسها، لأن ما يقال أو يكتب عادة ليس بالضبط ما جال في الفكر، بين ولادة الفكرة وتحولها إلى كلمات يضيع شيء ما».
وفي الحقيقة إن ما ذهب إليه هذا الروائي، شعور يختلج كل من يكتب أو يحاول الكتابة الإبداعية، حيث يعيش في لهاث وركض خلف الأفكار التي تطرأ في رأسه ويبقى عاجزاً عن تدوينها ونقلها بسرعة وعفوية على الورق، إنه تحدٍ يومي يعانيه كل من يكتب ويؤلف، يخيل لك وأنت تشاهد شخصاً يجلس أمام شاشة كمبيوتره بهدوء وتعتقده مرتاحاً، بينما الحقيقة أنه في صراع ذهني داخلي كبير، يقول الفيلسوف غوستاف فلوبير: «لا يمكن أن نفكر أو نكتب إلا جالسين».

لذا البعض ممن يؤلف ويكتب يغضب بشدة عندما تتم مقاطعته، وهذا ليس فيه أي تهميش أو تقليل من مكانة النص المكتوب أو الكتابة بصفة عامة، خاصة وأننا نعلم جميعاً أنها كانت فتحاً على البشرية عندما اكتشفها الإنسان وبدأ في ممارستها، حيث يطيب لبعض العلماء التأكيد أن الحياة البشرية بدأت على الأرض منذ نحو مليوني سنة، وبرغم هذا لم يبدأ التاريخ إلا منذ خمسة آلاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد، وهو التاريخ الذي اكتشف فيه الإنسان الكتابة وبدأ يمارسها، وبالتالي يدوّن أحداثه وشؤونه بواسطتها، وآخرين من المؤرخين وعلماء الآثار يحددون تاريخ الكتابة بأنها بدأت منذ نحو 3500 قبل الميلاد، صحيح أن تلك البدايات كانت متعثرة ومرت بمراحل طويلة وعميقة حتى باتت على ما هي عليه اليوم، إلا أنها، أي الكتابة، باتت اليوم جزءاً من الحياة لا يمكن الاستغناء عنه.

الهدف من هذا الاستعراض السريع لتاريخ الكتابة، هو الوصول إلى نقطة التقاء مع الجميع خلالها نتفق على أهمية أن نكتب بعفوية ودون قيود، وأن نشجع بعضنا على الإبداع، وألا نقلل من مجموعة شعرية صدرت لأديب بحجة أنها مجموعة من الكلمات المرصوصة التي لا تمت للشعر بأي صلة، وكأن مفردة أو صفة «نص شعري» لا يمكن أن تطلق أو تمنح إلا على القصيدة الموزونة والمقفاة، ولا يمكن أن نسمي أو نطلق مفردة ديوان إلا على كتاب جمع بين دفتيه قصائد تشابه الشعر العربي القديم، وما سواه خواطر أو وجدانيات وإذا رغبتم كلمات نثرية.. لنترك العنان للتطوير والتجريب، ففي الأدب لا يوجد مقدس، والأصناف الأديبة ليست ملكاً لفئة دون أخرى، أو هي مصبوغة وفق رؤية تلك الفئة ولا بد أن نكتب وفق مشيئتهم وآرائهم.

لا بد أن ندرك جميعاً أن الأدب مشاع وهو بطبعه حر، يحلّق فيلتقطه الجميع، الفقراء والأغنياء، الكبار والصغار، ويغوص في أتونه من يريد دون استئذان أو طلب تصريح، أبوابه مشرعة لمن اختار السهر مع الكتب وملاحقة النصوص وتذوق الإبداع.. لنكن أكثر تسامحاً وهدوءاً مع كل من يحاول أن يبدع، كل من يحاول أن يكتب.

Email