الموسيقار محمد عبدالوهاب هو أول من قدم دويتو غنائي، من خلال أغنية «مجنون ليلى» مع الراحلة أسمهان، من ألحانه وكلمات أمير الشعراء أحمد شوقي، وذلك في فيلم «يوم سعيد» الذي أخرجه محمد كريم سنة 1940. ثم كرر عبدالوهاب فكرة الدويتو سنة 1944 في فيلمه ما قبل الأخير «رصاصة في القلب» من إخراج محمد كريم أيضاً. ففي هذا الفيلم المأخوذ قصته من مسرحية بنفس الاسم للأديب توفيق الحكيم غنى عبدالوهاب مع الفنانة راقية إبراهيم دويتو «حكيم عيون» من ألحانه وكلمات حسين السيد، والذي صار واحدة من أجمل الأغاني التي أديت بصوتين. يقول مطلع الأغنية:
حكيم عيون أفهم في العين
وأفهم كمان في رموش العين
أعرف هواهم ساكن فين
وأعرف دواهم بيجي منين
لترد عليه راقية إبراهيم قائلة:
اسمع يا دكتور أنا أعرف أن الألم بيجي من عصب الضرس لما الواحد ياكل حاجة ساقعه.
وهكذا يستمر الديالوج الظريف في مشهد من أهم مشاهد هذا الفيلم الخفيف المسلي الذي لا يحمل عمقاً اجتماعياً أو قيمة جمالية، وإنما مجرد قصة تدور حول موظف شاب اسمه محسن (عبدالوهاب) يعيش حياة بوهيمية ولا يهتم إلا بالموسيقى واللهو ويلتقي بفتاة رائعة الجمال في مقهى غروبي فيهيم بها. يذهب محسن إلى عيادة صديقه طبيب الأسنان، وفيما هو ينتظره تدخل تلك الفتاة (راقية إبراهيم) العيادة للعلاج من ألم في ضرسها وتعتقد أن محسن هو الطبيب فتبدأ بينهما المحاورة الغنائية السابقة.
ويقال ـ طبقاً لما نشرته إحدى المجلات المصرية القديمة ــ أن الأديب إحسان عبدالقدوس في إحدى جلساته مع الموسيقار وبعض الأدباء هو من اقترح أن ينتج عبدالوهاب فيلماً جديداً تكون بطلته النجمة ذائعة الصيت آنذاك راقية إبراهيم، وينتقي له سيناريو جيداً، قائلاً إن عملاً من هذا القبيل يحتاج إلى ميزانية كبيرة. ويقال إن عبدالوهاب المعروف ببخله هرش رأسه وفكر طويلاً قبل أن يوافق ويقول: «خلاص اتفقنا.. من دلوقت اعتبر راقية إبراهيم بطلة فيلمي القادم». وبالفعل اتصل عبدالوهاب بالنجمة راقية إبراهيم عارضاً عليها بطولة فيلم «رصاصة في القلب»، بعد أن استشار مخرج أفلامه محمد كريم وتناقشا حول السيناريو والحوار. لكن راقية إبراهيم وضعت شروطاً لم يقبلها عبدالوهاب. ومع تمسك الطرفين بشروطهما تدخل الكثيرون بينهما لتقريب وجهات النظر دون نجاح.
ويبدو أن راقية إبراهيم راجعت نفسها لاحقاً واقتنعت أن ظهورها في فيلم مع عبدالوهاب هو مكسب وإضافة كبيرين لها. وذات يوم، وبينما كان عبدالوهاب بمكتبه الكائن آنذاك في 25 شارع توفيق وجد راقية إبراهيم تطرق بابه، فاستقبلها قائلاً: «أهو كده كويس.. والرجوع إلى الحق فضيلة.. مش كده يا ست راقية وإلا إيه؟».
كان ذلك إيذاناً باتفاق الطرفين على الشروع في الفيلم المنتظر الذي حظي باستقبال حافل من الجمهور، خصوصاً وأنه احتوى على عدد من أغاني عبدالوهاب الشهيرة غير «حكيم عيون» مثل: «الميه تروي العطشان» و«مشغول بغيري» وكلتاهما من كلمات أحمد رامي، و«لست أدري» من كلمات إيليا أبو ماضي (تعتبر هذه الأغنية هي التي عرفت الجمهور العربي العريض على هذا الشاعر اللبناني المهجري)، و«انسى الدنيا وريح بالك» من كلمات مأمون الشناوي، و«أحبه مهما أشوف منه» كلمات حسين السيد، ناهيك عن ظهور ثلة من أشهر فناني تلك الحقبة في الفيلم من أمثال علي الكسار وسراج منير وبشارة واكيم ومحمد عبدالقدوس وعبدالوارث عسر وحسن كامل وسامية جمال وفاتن حمامة وليلى فوزي وإلهام حسين وزينب صدقي.
بقي أن نذكر أمرين، أولهما أن اعتماد هذا الفيلم على قصة لتوفيق الحكيم، فتح الباب على مصراعيه لمخرجي السينما المصرية للاستفادة من نصوص الحكيم الأخرى سينمائياً، فكانت هناك أفلام مثل «الرباط المقدس» و«الخروج من الجنة» ثم «يوميات نائب في الأرياف. والأمر الثاني هو أن «رصاصة في القلب» أعيد تمثيله على المسرح في عام 1964 من خلال مسرحية أخرجها كمال حسين من بطولة صلاح ذو الفقار وليلى طاهر.