لنحمِ التراث من الحب القاتل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قضايا التراث والموروث متنوعة وعديدة، وتبدأ من المحافظة عليه إلى تطوير الآليات لتنمية الشعور المجتمعي وزيادة الإقبال والاهتمام به من كافة الأعمار والمستويات، وصولاً لتنقيته مما علق به من تشويه ونظرة قاصرة أو حتى من دخول أساليب وكلمات بعيدة كلياً عن عبق الماضي العربي الأصيل وغريبة عن البيئة التراثية المحلية.

فإرث الآباء والأجداد غير محتاج لمساحيق حديثة نزيّنه بها، فنحن نقبل به كما هو بعبقه الجميل ومكانته في أرواحنا، ولا نريد خلطه بمفاهيم غربية أو حديثة، كما أن استخدام وسائل وطرق لا تنتمي لبيئة الموروث نفسه بهدف تقريبه أو إيصاله للجمهور قد يكون له آثار عكسية وتؤدي إلى الفشل والتراجع، والشواهد في هذا المجال عديدة ومتنوعة على سبيل المثال يقام حفل غنائي تستخدم فيه الموسيقى الغربية بمناسبة افتتاح متحف أو قرية تراثية، لكن المعضلة لا تتوقف عند هذا الجانب المؤقت الذي ينتهي بانتهاء المناسبة، بل هناك ممارسات وكلمات التصقت بالتراث وأصبح البعض يعتقد أنها من صميم اللغة العربية بل من عبق الماضي والزمن السحيق، من الشواهد في هذا السياق استخدام كلمة فلكلور، وأصل هذه التسمية جاء من اللغة الألمانية (Volkskunde) ومعنى هذه الكلمة – الترجمة - في اللغة العربية (علم الشعوب) وببساطة متناهية كلمة التراث تعطي نفس المعنى إذا لم تكن أعم وأشمل منها، فكيف دخلت هذه الكلمة وبات يتم تداولها على نطاق واسع وكبير، بل حتى المتخصصين في مجال الموروث الشعبي يستخدمونها في مؤلفاتهم وبحوثهم العلمية، وخاصة عند الحديث عن الفن الغنائي الشعبي.

يحتاج الدارسون والمختصون في مجال العلوم التاريخية والتراثية للبحث والتقصي في قاموسنا العلمي على كلمات ومفاهيم أخرى قد تكون تسربت واندمجت في العمق المعرفي العربي وباتت جزءاً من التفكير واللغة لدينا. قد يقول قائل: إن من خصائص اللغة العربية قوتها وقدرتها على تكييف المفردات وصبغها ودمجها باللغة الأصلية – العربية – دون تأثير على جوهر ونقاء لغة القرآن، بل قد يجد هذا القول شواهد كثيرة للاستدلال تم خلالها استخدام مفردات غير عربية، في أشعار وقصائد عربية لشعراء منذ أكثر من ألف عام كالمعلقات وغيرها مما وصل إلينا. وهذا القول صحيح، لكننا أيضاً لا نتحدث هنا عن مواضيع عامة ومعاصرة كالحاسب الآلي الذي تحول مسماه إلى كمبيوتر، بل نتحدث عن موضوع متخصص بالتراث والموروث، بمعنى أدق نحن نتحدث عن الأصالة ونقاء هذا الموروث، لذا لا نحتاج لتوصيفه بمفردات غريبة وبعيدة عن جوهره وعمقه.

الاهتمام بالتراث ليس بإقامة الندوات التي لا يحضرها سوى المهتمين، أو بتنظيم مؤتمرات تُلقى فيها بحوث ودراسات ذات طابع ولغة علمية – رغم أهمية هذه الفعاليات - كذلك ليس بمعلومات جامدة نلقيها وكأننا نحاول التخلص منها، بل باستخدام ذكي ومشوق لكسب الجمهور، خاصة الشباب والفتيات، بإدخال التراث في حياتنا اليومية بمنتجات تباع بأسعار زهيدة فيها أشكال لبعض التحف الأثرية أو مدون عليها بعض الحكم من التاريخ المحكي القديم، وتضمين مواضيع أو قصص طريفة ومعبرة عن التراث تكون بمنهجية وأسلوب تربوي جذاب في المناهج الدراسية. لا تساورني الشكوك أن العقول لديها من الأفكار الخلابة والجميلة والمشوقة ما يعد ثروة حقيقية في هذا المجال، لكن من المهم معرفة كيف نستقطبها وننتجها ونوظفها لخدمة نشر تراثنا والتعريف بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة.

Email