التراث عندما يقال بأنه سبب للتخلف الحضاري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد البعض أن التراث وقيمه ومبادئه والاهتمام به، هو حالة ينفرد بها العالم العربي والشعوب الإسلامية بصفة عامة، لذا يرجعون التخلف الذي تعانيه هذه الشعوب لما يعرف بالماضوية أو العقل القديم، ويقصدون تحديداً أن انشغال الشعوب العربية بالتراث وكل ما هو قديم كان على حساب العمل المثمر المتميز في الحاضر، وهو أيضاً قد أشغلها عن التفكير في المستقبل>

وبالتالي الإبداع والابتكار.. لكن المشكلة الحقيقية في هذا الإطار أنه يفوت على هؤلاء أن التراث كمفهوم ومصطلح وممارسة ليس حصراً في الأمة العربية وشعوبها، بل هو عام لكل أمة من أمم الأرض وإن اختلفت الكلمة نفسها، لكن التعريف والمعنى متواجد في كل شعوب الأرض، وكأن هنا حقيقة بديهية تقول إن الإنسان بلا ماضٍ كالبناء بلا أساس عميق وثابت في الأرض يتوقع سقوطه مع أول رياح تهب.

وكما قال الدكتور عبدالإله بلقزيز، في كتابه نقد التراث، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية: «إن المجتمعات الإنسانية كافة، والمجتمعات التاريخية منها على نحو خاص لم تعدم أشكالاً وصوراً مختلفة من الاهتمام بتراثها الثقافي والديني، ومن التفكير فيه والإنتاج العلمي حوله».

والاهتمام الأممي بالتراث له صور وتجده ماثلاً في كل حضارة، ويمكننا التجوال على مختلف شعوب الأرض حتى تلك الأكثر تطوراً ووهجاً وتقدماً علمياً، ستجد لديها ملامح قوية من المحافظة على قديمها وتاريخها الماضي بكل شغف وعناية، وأستحضر في هذا السياق كمثال اليابان التي عرف عنها تمجيدها لماضيها، بل وسعيها لدى منظمة اليونسكو لتسجيل تراثها للمحافظة عليه ولتسبغ عليه الصفة العالمية لصونه من الاندثار، على سبيل المثال آثارهم في منطقة هوريو جي، وجبل فوجي الذي يعتبر مصدراً للإلهام الفني، فضلاً عن قبة غنباكو، وقلعة هيميجي التي تعتبر أحد الكنوز الوطنية اليابانية، وهي من أقدم الشواهد على بناءات العصور الوسطى، وأدرجته المنظمة العالمية للثقافة والعلوم اليونسكو في قائمة التراث العالمي، ويوجد في هذا المعلم قصر ماتسوموتو وقصر كوماموتو، وقصر هيميجي، الذي يعتبر واحداً من ثلاثة قصور خشبية لا زالت قائمة إلى يومنا هذا، حسب موقع ويكيبيديا، كما تهتم اليابان بموروثها الثقافي والمكاني مثل ضريح إيتسوكوشيما، والذي يعود بناؤه إلى القرن السادس للميلاد، فضلاً عن منجم غينزان للفضة الذي أضيف إلى قائمة مواقع التراث العالمي في عام 2007 ولا يمكن نسيان الآثار التاريخية في كيوتو القديمة، وغيرها الكثير، بل في المناسبات الوطنية نلاحظ الملابس اليابانية القديمة وهم أيضاً يحافظون على أطعمة قديمة توارثوها منذ مئات السنين، فهل كان كل هذا الاهتمام بالتراث والآثار، سبباً في تراجع اليابان أو عدم تقدمها؟!

وبما أنه اتضح أن التراث ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بتخلف أو تراجع هذه الأمة أو تلك، بل قد يكون سبباً للدفع بها نحو الأمام وليس العكس، فإن هناك جانباً آخر يتعلق بالعالم العربي والشعوب الإسلامية بصفة عامة، فهي متباينة ولا يمكن وضعها جميعها في سلة واحدة وتطلق على الجميع حكماً واحداً، على سبيل المثال الإمارات وهي مثال مناسب عن العالم العربي والإسلامي، حيث تعيش في وضع اقتصادي متين وقوي، ورخاء معيشي واضح هو نتاج لسياسات حكومية ذكية ومبتكرة، وتضع خططاً لغزو الفضاء باتت جزءاً من الخطط الدولية في مجال علوم الفلك بصفة عامة، والإمارات أيضاً متطورة في مجالات الطاقة النظيفة والعمل على مبتكرات جديدة في هذا المجال الحيوي، وتعد من أهم دول العالم في هذا المضمار.

والذي أريد الوصول له هو أن التراث دافع نحو الأمام وهو قاعدة قوية للانطلاق نحو المستقبل، وليس العكس أبداً.

Email