لماذا كانت المعرفة من أول اهتمامات الوالد الشيخ زايد ؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

دوماً نقرأ في كتب التاريخ عن وقائع غفل خلالها الكثير من المصلحين أو السياسيين أو نحوهم عن أهمية الثقافة في مسيرة البناء الإنساني، لذا نقرأ بين وقت وآخر عن تراكمات من الأخطاء تحدث في ذلك المجتمع أو ذاك، والسبب هو الافتقار للمعارف الجوهرية التي تساعد الفرد في الإنتاج والعمل وأن يكون لبنة صالحة مميزة في مسيرة بلاده. 

هذا الجانب الحيوي لأثر الثقافة وأدواتها المختلفة لم يغفل عنه الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بل بذهنية منفتحة وعقلية فريدة وتفكير منطقي سليم أدرك، رحمه الله، دور المعارف والعلوم والشغف بها وجميع ما ينطوي تحت علم الثقافة من فائدة ليس للفرد وحسب وإنما للمكون العام للمجتمع بأسره، وعندما يكون لديك مجتمع من النخب الثقافية المتعلمة تشكل أكبر وأوسع ممن لم يحظَ بنصيب من العلم، فإن مهمتك للبناء والتغيير للتوجه نحو مسابقة الأمم في الركب الحضاري ستكون أسهل وأكثر مرونة، لذا لم يتردد الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو يؤسس ويضع الأفكار لها الاتحاد العظيم مع إخوانه شيوخ وحكام الإمارات ولم يغفل أو يتناسى أثر العلم والشغف بالمعرفة ومظلتها الأوسع الثقافة، فمنذ سنوات حكمه الأولى لأبوظبي بادر وقام بتأسيس جملة من المشاريع الحيوية التي من أهم وظائفها التوعية ونشر العلوم والمعارف للناس، وبالتأكيد أن الوالد رحمه الله، كان يعلم أنه كلما اتسعت معارف الناس اتسعت رؤيتهم وقناعتهم بأي من خطوات التطوير القادمة لذا الذي قام به، رحمه الله، هو إشراك للناس في كل عملية من عمليات التحديث والتقدم، وذلك بزيادة جرعاتهم المعرفية والعلمية في ذلك الزمن، ولتحقيق هذه الغاية أمر بإنشاء محطة أبوظبي الإذاعية في عام 1968م وبالفعل كان لهذه المحطة أثر بالغ وكبير على الناس لأنها كانت الناقل الوحيد لكل ما يجري في الإمارة من مشاريع وبناء وتقدم، فأخذت على عاتقها الشرح والوصف وإبلاغ سكان الإمارة ومجاوروها بكل جديد، فضلاً عن نقل الأخبار والتوعية وبالتالي أسهمت في زيادة الحصيلة المعرفية للسكان وجعلتهم قريبين من مصدر القرار، وهذه رؤية بحق تعد فريدة في ذلك الزمن تدل على سعة التفكير وبعد النظر لدى الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ومن دلالات نجاح هذا المشروع هو ما تم تسجيله في كتب التاريخ عن الفرحة العامة للسكان عندما بدأ البث الإذاعي، وكأنه أخرجهم من الذاتية أو من وسط كثبان الرمال ونقل العالم لهم وبين أيديهم، فبينما كانت أبوظبي تستمع للعالم والعالم يسمعها كانت حواضر كثيرة في عالمنا العربي مرتعاً للتخلف والجهل والتقاتل. 

ونحن نعود لذلك التاريخ نستلهم منه العبر ونخرج من ثناياه كل هذه الجواهر من فكر والدنا رحمه الله، وندرك تماماً أن كل ما تحقق اليوم لنا من نهضة وتميز في العلوم والمخترعات إنما كان من غرس يده ونتيجة لسياساته وتفكيره، رحمه الله رحمة واسعة.

Email