الكتابة وثقافة التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

 كيف للكتابة أن تقاوم التمييز؟ وكيف لها أن تدعو للتعايش وأن تنبذ العنصرية؟ وهل تقوى الكتابة حقا على مجابهة مثل تلك القضايا؟ وكيف لها أن تطرحها بموضوعية وبطرائق غاية في الإقناع وبعيدا عن كل جدل مفترض؟

دون شك أن هذه القضية مهمة وتكتسب أهمية بالغة في هذا العصر تحديداً. وببساطة متناهية، وبشكل بديهي، فإن من أدوات نشر ثقافة التسامح الكتابة، لأن الكتابة واحدة من أهم- إذا صح التعبير- أدوات التسامح أو الدعوة إلى التسامح والتعايش والسلام المجتمعي، وهي أيضا تساهم في نشر القيم الجميلة بين الناس، الكتابة وظيفة حيوية ومهمة في مسألة زيادة معرفة الناس، وتنمية ثقافتهم، واطلاعهم على الجوانب السيئة التي تتنافى مع الإنسانية، عندما يتبنى أحدهم العنصرية أو التمييز بين الناس أو الدعوة لعدم التسامح. الكتابة تقوم بدور توعوي مهم في هذا السياق، لا يمكن تجاهله أو المرور عليه أو تسطيحه.

من المعروف أن عملية التأليف والكتابة تستدعي القراءة وزيادة المعلومات، وتنمية الثقافة، أولاً لدى المؤلف أو الكاتب، فكما هو معروف لا يمكنك أن تكتب وتعبر عن أي قضية أو عن أي موضوع، دون أن يكون لديك إلمام به وبمختلف جوانبه سواء التاريخية أو المعاصرة أو حتى استشفاف المستقبل من خلالها.

لذا من الطبيعي أن يقوم الكاتب أو المؤلف أو الباحث، بفعل جوهري، وهو العودة للمصادر الموثوقة، وإعادة التزود بالمزيد من الأفكار في هذه القضية.
إذا نجح الكاتب أو المؤلف، في تبني قضية ما فهو مباشرة يتوجه لعملية بحث في مصادر المعلومات والكتب، لزيادة معلوماته وثقافته حول تلك القضية، بعدها يبدأ بالتعبير عنها، والكتابة حولها، هذه الكتابة وهذا التعبير دون أدنى شك، ستجد مجموعة من القراء الذين يتأثرون بها
هنا عندنا عدة مواضيع أو قضايا: التمييز، العنصرية، عدم المساواة، عدم العدالة، نبذ الآخر، التعالي، عدم التسامح... إلخ. جميع هذه القضايا، تنتشر بدرجات متفاوتة بين الناس، والثقافة البشرية، غنية تمام بها، وبالتالي الوعي مهم لمعالجتها، ولا يمكن أن يتم هذا الوعي ويصبح ثقافة مضادة منتشرة، دون فعل كتابي، دون عملية تأليف، لأنها التأليف والكتابة، تختزل المعلومات، التي يحتاجها الإنسان لمعالجة الخلل الذي لديه عند ارتكابه لمثل هذه القضايا.

عندما يكون لدينا إنسان دائما التمييز بين الناس، وفقا لحالتهم المادية، أو للموقع الجغرافي، أو لحالتهم الاجتماعية، أو بسبب اللون، أو العرق، هذا الإنسان يحتاج إلى ثقافة جديدة تحتل وتزيح الثقافة المشوهة التي تهيمن على ذهنه، ومن هنا يأتي دور المؤلف ودور الكاتب، في أن يقدم رؤية جديدة، مقنعة رصينة وأيضا تجذب هذا الإنسان، وبطبيعة الحال لن يجد هذا الإنسان، هذه الثقافة الجديدة الجميلة المثالية، إلا من خلال النصوص التي يقرؤها أو يسمعها أو يراها، من خلال المعلومات التي يجدها مبثوثة أمامه.

هذه النصوص، وهذه الكتابات، وهذه المعلومات، لا يمكن أن تتم إلا من خلال فعل كتابي، من خلال الكتابة، من خلال التأليف، وهذا بالتالي يوضح الأثر الكبير جدا والقوي للكتابة في تحسين وتغيير الكثير من الثقافات السيئة التي تكون غير متماشية مع الطبيعة البشرية.

يصح القول إن هذه الحالة تشبه الصراع، بين ثقافة مشوهة مريضة مسمومة، تنتشر بالكراهية، وتحتاج ثقافة مضادة من المحبة والتسامح والنقاء، ولا يمكن دعم هذه الثقافة النقية، إلا بالمزيد من المعلومات والإنتاج الكتابي، الذي يتحول إلى أقاصيص، أو آراء، أو قصائد، أو أفلام، أو مسرحيات، أو سير، أو غيرها من القوالب والمخرجات لأدوات نشر الثقافة البشرية، مهما كان نوعها أو شكلها، فهي في البداية أو النهاية تتطلب الكتابة، وتحتاج للكتابة والنشر والانتاج الذي سوف يساهم بنشر ثقافة التسامح في مجتمعاتنا.

Email