«بريكس» بحلّتها الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بداية العام الجديد انضمت دول عدة إلى مجموعة «بريكس»؛ هي: الإمارات، والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا. الأرجنتين، التي قبلت الدعوة للعضوية لم تنضم بسبب انتخاب الرئيس الجديد خافيير ميلي، الذي أبلغ المجموعة بعدم قبوله للعضوية.

وكان هناك تصريح لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أن واشنطن لا ترى في «بريكس» منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، والسؤال هو ما حدا بتصريح سوليفان؟ هل هناك فعلاً توجس من «بريكس»؟

يبدو أن الأمر فيه شيء من الجدية، لكن المؤشرات لا تشير إلى أن «بريكس» يمكن أن يكون حلفاً أمنياً أو جيوسياسياً مناوئاً للهيمنة الأمريكية، والأرجح أن التجمع لا يعدو كونه تعاوناً اقتصادياً، وإليك الأسباب التي ممكن أن تقنع القارئ بأن تأسيس «بريكس» لعوامل اقتصادية وليس لأسباب جيوسياسية.

أولاً، دول «بريكس» موزعة في قارات عدة من آسيا إلى أفريقيا، ومن أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية إلى منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لدول موزعة بهذا الشكل أن تكون قوة جيوسياسية، خاصة أن قدرتها على الانتشار بشكل واسع محدودة. لا الصين ولا الهند لديها أساطيل تنتشر في أعالي البحار مثل الولايات المتحدة، وما زالت القوة العسكرية في صالح الدول الغربية.

الأمر الثاني يتعلق بعدم انسجام الأنظمة السياسية. تعتبر بعض الدول من «بريكس» ذي نظام الحزب الواحد، وتعتبر أخرى من الأنظمة الملكية الوراثية، وأخرى تعددية، وأخرى ثيوقراطية دينية، وعدم التماهي السياسي يجعل من توحيد الرؤى الاستراتيجية أو تحالف عسكري دولي أمراً صعباً، بل مستحيلاً.

ثالثاً، تتقاطع هذه الدول في تحالفاتها، فالصين وروسيا وإيران في صراع حقيقي مع الولايات المتحدة، بينما تتمتع كل من أبوظبي والرياض بعلاقات متميزة مع واشنطن، والهند والولايات المتحدة تتحالفان للتوازن الاستراتيجي ضد الصين، ومع عدم التناغم في التحالفات لا يمكن عقد مواقف جيوسياسية أو استراتيجية موحدة، ناهيك عن حلف موجه ضد معسكر بذاته.

رابعاً، هناك انقسامات بين دول «بريكس» ذاتها. هناك خلاف حاد بين جمهورية مصر وإثيوبيا على مياه النيل، كما أن حبال الود بين إيران والسعودية غير وثيقة، إضافة إلى أن الهند والصين بينهما ما صنع الحداد، فإذا كانت دول «بريكس» لا تستطيع توحيد صفوفها، وإنهاء خلافاتها الممتدة لسنوات، فكيف لها أن تشكل تحالفاً أمنياً أو استراتيجياً.

خامساً وأخيراً، إن الفعل السياسي يقوم على عاملين مهمين، هما الإرادة والمقدرة، فإذا توفرت الإرادة ولم تتوفر المقدرة فإن الفعل السياسي لا يمكن أن يحصل. وإذا توفرت المقدرة، ولم تتوفر الإرادة فإن الفعل السياسي لا يمكن أن يحصل، ويبدو من كل ما سبق أنه ليس هناك رغبة حتى إذا توفرت المقدرة لخلق تحالف دولي يؤدي إلى تغيير النظام الدولي.

هناك خلاصتان مهمتان في سياق النقاش حول «بريكس» وتوسعه. ستكون المجموعة منظمة اقتصادية بامتياز، تحاول تحسين الأداء الاقتصادي والتبادل التجاري والاستثمارات بين أعضائها، وهناك مبادرات لخلق مؤسسات لتحقيق هذه الغايات مثل مصرف التنمية الجديد، الذي يقدم «دعم المشاريع العامة أو الخاصة، من خلال القروض والضمانات والمشاركة في رأس المال والأدوات المالية الأخرى»، إضافة إلى «التعاون مع المنظمات الدولية والكيانات المالية الأخرى، وتقديم المساعدة الفنية للمشاريع، التي سيدعمها البنك».

أما الخلاصة الثانية فإن المنظمة ستتجنب الدخول في محاور سياسية أو تحالفات جيوسياسية تعكر صفو التعاون الاقتصادي الذي تنشده هذه الدول، وما زلنا في أول الطريق. 

ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً 

          ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوِّدِ

Email