الترويج للمنجز.. إشكالية السمو والمادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعددت المناسبات الثقافية، والأنشطة المعرفية، مثل معارض الكتب، والتي تقام في عدة عواصم ومدن عربية، حتى باتت تغطي معظم العام، فقلما يمر شهر لا نسمع فيه بأحد هذه المعارض، وفي العموم هي نشاط مرحب به ومناسبة جميلة ونرجو تزايدها أكثر وأكثر، لأننا بدأنا نلحظ أن هذه المعارض بمنزلة منصات للتعريف بالمنجزات الجديدة.

وباتت أيضاً كثير من دور النشر توقّت نشاطها في أهم وأكبر المعارض في المنطقة للإعلان عن أحدث إصداراتها، وبذلك أخذت المعارض زخماً معرفياً وتنويرياً جديداً، وباتت مناسبات ينتظرها معظم أفراد المجتمع، وتبعاً لهذا يتم استغلال هذه المناسبات في الإعلان عن الفائزين بالجوائز الأدبية بمختلف مستوياتها، وأيضاً تتم استضافة الأسماء اللامعة أو تلك التي حققت إنجازات أو قصب السبق في المضمار الأدبي.

وبحق فإن معارض الكتب، باتت سوقاً متنامياً وفرصة للمزيد من الاستثمار، لأنني مؤمنة بأن هناك مجالاً للمزيد من الأنشطة المعرفية التي ستعود على المجتمع بالفائدة في هذه المناسبات وأيضاً تعود بالفائدة على الناشر أو صناع الحدث ورعاته لو تم تفعيل بعض الجوانب والأنشطة وابتكار أفكار جديدة تخدم هذه الاحتفاليات، ويمكن أن تخرج من نطاق المعرض نفسه لتصب في عدة زوايا من المجتمع.

مناسبات معارض الكتب أفرزت لنا عدة جوانب – ظواهر إذا صحت تسميتها بالظاهرة – بعض منها حيوي ومهم، وبعض آخر يجلب الدهشة والاستغراب، ولن أتحدث عن جوانب مشرقة مثل تنامي الحس القرائي لدى الجمهور، أو مثل اتساع مفهوم وأهمية القراءة لدى حتى صغار السن، على الرغم من أهميتها كما أسلفت والتشجيع على استمرارها واتساعها، ولكنني أنتقل لجانب أعده جديراً بالتوقف والرصد.

ولعل من أهم هذه الظواهر تحول المؤلف لموظف إعلان لدى دار النشر، فتجده يروج لكتابه في مواقع التواصل الاجتماعي باستماتة وحماس شديد، ويضع معلومات منجزة ومعلومات الناشر، ويأخذ اقتباسات، ويضع إشارات، وهذه ليست مشكلة أو معضلة أو خطأ، وإنما المعضلة الحقيقية هو في التجاهل التام من الناشر لهذا الجهد الحيوي والمهم والترويجي لداره من إنسان يحمل تسمية مؤلف.

والملاحظة الجديرة بالتوقف أن معظم من يقوم بهذا الجهد الاندفاعي المتحمس، هم من المؤلفين الخليجيين سواء على مستوى الفتيات أو الشباب، وإذا كنت قد حددت الفتيات والشباب، فهي إشارة للفئة التي تتورط – إذا صحت التسمية بأنها ورطة – في هذه الممارسة.

لقد وصل الحال ببعض من هؤلاء المؤلفين، أن يعلن توقيعه لمنجزه ويضع تاريخ وساعة محددة، ويصف لك بشكل دقيق موقع دار النشر التي سيوقع فيها، وحينما تحضر تجد أن الناشر مشغول بمؤلف آخر بالنسبة له أهم، وتجد هذه الفتاة أو الشاب، في زاوية قصية من جناح الدار، في تجاهل لوجوده، ولمن هم معه سواء من القراء أو الأصدقاء.

على الرغم من أنه من المتعارف عليه، بل جميعنا يعلم أن مهمة الترويج للكتاب تقع على الناشر والموزع في المقام الأول، إلا أن فشلهما وخاصة في عالمنا العربي في القيام بهذا الدور، دفع بالمؤلف إلى أن يقوم بهذه المهمة، وعلى الرغم من أنني أعتقد أن الكتاب الجيد لا يحتاج لكل هذا الجهد في التعريف به، فإن سمات وممارسة معظم من يصدر منجزاً جديداً، هو الترويج والحديث باستفاضة عن منجزه في مواقع التواصل الاجتماعي.

حتى باتت ظاهرة واضحة وجلية، وفي هذا السياق لست بصدد إصدار أحكام جاهزة أو تقديم استنكار أو رفع تأييد، ولكنني أرجو أن تعقد ورش عمل معرفية تناقش هذا السلوك وجدوى هذا الفعل في الحراك الثقافي، وهل فيه أي أثر قد يساعد على تحريك مياه المعرفة التي تميل للركون؟ أو هل قيام المؤلف بالترويج لمنجزه فعل طبيعي؟

ألا يتقاطع هذا السلوك مع سمو التأليف عن قضية الربح المادي؟ وغيرها من التساؤلات الجديرة بالتوقف عندها ملياً، والتي أعتقد بأنها أيضاً ميدان حيوي لدراسة علمية تتقصى وتبحث في هذا المجال وفق رؤية ومنطلق منهجي واضح.

وأخيراً أستحضر كلمات للمؤلف جيمس فري، التي تبين أن لكل مؤلف حاجة من وراء التأليف، إذ قال: «إذا لم أكتب سأجن، لست مؤهلاً لفعل أي شيء آخر». والذي أريد الوصول له أن التأليف والكتابة حاجة أكثر من أي شيء آخر، أرجو ألّا تكون هذه الحاجة عند بعضهم تكمن في أمور متواضعة.

Email