الانتهازيون... احذر منهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ فجر تاريخ البشرية، والاحتياجات والرغبات المتنوعة للإنسان ماثلة ومتواجدة، ومع تطوره ونشوء الحضارات والأمم، تزايدت هذه الاحتياجات، وتعددت لتشمل كافة مجالات الحياة، من الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وأصبحت المصالح الشخصية، وما يتعلق بها من مصالح العائلة أو العشيرة أو الفئة هي العامل المؤثر لنشاطه، والأساس الذي يعتمد عليه لتكوين علاقاته.

هذه الحالة مع استمرارها وتطورها على مر التاريخ أصبحت من أهم القضايا التي تشغل الفرد والفئات والمجموعات، وهو الصراع على الوجود والمصالح خاصة المصالح عندما تكون ضيقة وآنية ولا تمثل الجميع.

أولئك الذين يغيرون مواقفهم وقناعاتهم ومبادئهم بالبساطة نفسها التي يغيرون بها قمصانهم وملابسهم، يفعلون ذلك مقابل مصالح ومنافع شخصية، الذين يعملون على أن يظلوا في الواجهة حتى لو كان ذلك على حساب كرامتهم، هم أنفسهم من يقولون بأن هذا عدونا، وهو بالأمس صديقهم.

الفرد الانتهازي، مواقفه وقناعاته الفكرية مؤقتة، ومتلونة، وقابلة للتغير، كذلك تجمع الأفراد الانتهازيين إن كانوا في حزب أو مجموعة سياسية أو تكتل له هدف وغاية يريد تحقيقها، إنهم جميعهم غير ثابتين أو ليس لهم مبدأ قوي ثابت، لأنهم يتحركون مع مصالحهم ومع طموحاتهم الذاتية دون النظر لمصلحة الشعب أو الوطن.

وبما أن الانتهازي كفرد، عرف عنه تغيير موقفه السياسي والفكري حسب تغيير مصلحته، فإنه مؤهل لتغيير موقفه من الانتهازيين الآخرين أمثاله، حسب تغير تلك المصلحة أيضاً، وهذه هي الطريقة التي تحكم علاقات الانتهازيين بعضهم مع بعض. لذا نشاهد من مختلف دول العالم من يصف حزبه السياسي أو تكتله أو تحالفاته التي أمضى فيها سنوات طويلة، بصفات مشينة أو كلمات كلها تخوين وكراهية، وهذا يقودنا لحقيقة ثابتة أن هؤلاء صفتهم عدم الثبات والتلون المستمر.

الانتهازية لا تنبع من طبقة اجتماعية محددة، ولا من مهنة معينة، ولا هي محسوبة على قطاع محدد من أي مجتمع، بل إنها تظهر في صفوف كل الطبقات وجميع المهن وتخرج من جميع المذاهب والأحزاب السياسية خاصة، ويجمعهم فيما بينهم السعي لتحقيق المصالح الذاتية بواسطة التلون الفكري أو السياسي، وهم في اللحظة نفسها سيكونون متقبلين للتطور والتقدم والتغير في حالة واحدة إذا كان يحقق طموحاتهم، أما إذا كان في أي عملية تطور لمجتمعهم وبلادهم وهذا التطور مفيد للناس لكنه يهدد طموحاتهم، فإنهم سرعان ما يعترضون ويقاومونه.

الانتهازية أو الأفراد الانتهازيون ليس لهم أي مذهب أو عقيدة أو نظرية محددة، هم يكتفون بالمواقف اليومية النفعية، أي لمصالحهم، وإن تبنت شكلياً عقيدة أو فكراً ما، فإنما لخدمة هذا الموقف والهدف الذي تعمل على تحقيقه، وهم قادرون على التخلي عن كل المذاهب دفعة واحدة، إذا ما كانت لمصالحهم الشخصية أو المصالح التي تعود بالنفع لهم.

عندما يكون تحقيق المصلحة الشخصية، على حساب مصالح عليا أو أهداف سامية، أو يكون ثمنه على حساب كدح الآخرين أو الإضرار بهم فهذا هو الانتكاس والأنانية المقيتة التي تجعل هذا المفهوم من المفاهيم غير الإنسانية مفهوماً بغيضاً وجديراً بالمحاربة، لأنه عند السماح به سيكون بمثابة وباء اجتماعي، تنهار بسببه الحضارات والمجتمعات عندما تنتشر الانتهازية وتدب في أوصالها وبين أفرادها، ويسري بين جميع شرائحها ومختلف فئاتها، وسيتحول هذا المجتمع إلى مجموعات وعصابات من الانتهازيين الذين يضحون بكل شيء من أجل تحقيق مصالحهم ومآربهم الخاصة، ثم لا تسأل عن الأعراض الطبيعية الناتجة عن هذه الممارسات، أولها اضطراب المفاهيم والمعايير، حتى تصبح مقلوبة رأساً على عقب، فالكذب يصبح دهاء، والصدق سذاجة، والنصح سوء أدب، والانضباط تعقيد، والمعروف تهمة، وهلم جرا في أعراض أخرى تنخر أوصال المجتمع وأسسه، ومعولاً هداماً يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم والمبادئ.

الانتهازية صفة مقيتة بكل ما تعني الكلمة، وهي صفة خطيرة، ولها عواقبها وانعكاساتها على المجتمع كسائر المشكلات والآفات الاجتماعية المعروفة، لأن الانتهازي لا ينتمي للأمة فحسب بل يحطم صمودها ويجعلها في بلبلة شديدة ويفقدها قدرة التمييز بين الحقيقة والزيف، فلا تمتلك الانتهازية أي شيء يمكن أن تقدمه للمجتمع ولا يمكن أن تكون عاملاً إيجابياً في أي مرحلة من المراحل.

إذا أردت رؤية الانتهازيين فستجدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يعملون ضد أوطانهم لتحقيق غاياتهم وأهدافهم الشخصية المتواضعة على حساب مجتمعاتهم وناسهم.

Email