الأمثال في حياة الشعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل حضارة وأي أمة من أمم الأرض، وعلى مختلف الشعوب والمجتمعات ستجد دوماً أن الإنسان، ومنذ القدم، حفظ الكثير من الخبرات والتجارب، وأيضاً الكثير من المفارقات والأحداث في مقولات موجزة، لها دلالة مباشرة، نعرفها اليوم بالأمثال، البعض من هذه الجمل القصيرة تعكس ملامح عن تلك الحضارة أو عن ذلك الشعب وطبيعته وحياته.

والجميل أن هذه الأمثال كانت شاملة فلم تكن في نطاق محدد أو في جانب واحد، بل إنها عامة لمختلف مفاصل المجتمع والناس، تجد أن البعض منها تتحدث عن أسمى المبادئ الإنسانية، لذا يطيب لنا تكرارها، عندما يمر بنا موقف أو حدث تنطبق عليه تلك المقولة، البعض من تلك الأمثال نستخدمها لإعادة التوجيه نحو التصرفات الصحيحة، وبطبيعة الحال فإن البعض منها تميزت بخفتها، وقدرتها على إضحاكنا، ورسم الابتسامة عند سماعها.

وكما هو معروف فإن لكل مثل قصة، ظهر وانتشر بسببها، كالمثل الذي يقول: «عصفور في اليد خير من عشرة في الشجرة»، وهذا المثل تعددت فيه القصص والروايات، لكن جميعها تؤدي إلى معنى واحد، أشهر قصة تروى عن هذا المثل أن شخصاً كان يصطاد، وقد تمكن من إمساك عصفور بيده، وأثناء ما كان يسير بحثاً عن المزيد من الطيور رأى شجرة على أغصانها الكثير من الطيور.

فألقى العصفور، الذي في يده حتى لا يعيق حركته، واتجه نحو تلك الشجرة، لكنه ما إن وصل حتى طارت جميع الطيور، التي كانت على الشجرة، فنظر الصياد إلى حاله، وإلى يده الخاوية، فندم لطمعه وقال: «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»، فصارت هذه المقولة مثلاً عالمياً للدلالة على الطمع، وعدم التخطيط.

أحد الأمثلة الشهيرة الأخرى، التي نرددها بين وقت وآخر عن نجار ماهر كان دوماً يحسن صنيعه وعمله، تقدم به العمر، وقرر اعتزال مهنة النجارة، إلا أن صاحب العمل رفض أن يقبل توقفه عن العمل، لذا عرض عليه زيادة في الأجر مقابل بقائه، إلا أن النجار كان مصراً على الاستقالة، فطلب صاحب العمل من النجار أن يبني له منزلاً، ويكون ذلك المنزل هو آخر منزل يقوم ببنائه، وافق النجار على هذا العرض، وبدأ ببناء المنزل لصاحب العمل، إلا أنه كان في عجلة من أمره، لأنه يريد إنهاء البناء بأسرع وقت لكي يتقاعد.

وعندما انتهى من بناء المنزل كان وعلى خلاف بقية أعماله أسوأ ما صنعت يداه، فقد كان متهالكاً وضعيفاً، قدم النجار المنزل إلى صاحب العمل حتى يحصل على تقاعده، لكنه تفاجأ بأن صاحب العمل قدم المنزل هدية له تعبيراً عن الامتنان والشكر على السنوات، التي عمل فيها معه، شعر النجار بالحسرة على هذا المنزل المتهالك، الذي حصل عليه، وتمنى لو أنه صنع منزلاً أفضل، فأصبح الناس كلما مروا من أمام باب هذا النجار قالوا «باب النجار مخلوع».

وصار مثلاً واسع الانتشار، للدلالة على عدم الإتقان في العمل رغم المهارة والقدرة، وعندما نتأمل هذه القصة نرى فيها العديد من الحكم، فقد لا نرى نجاراً لديه باب مخلوع، لكن قد تجد الكثير من الشواهد، التي تنطبق عليه على سبيل المثال أن ترى طبيباً يدخن.

هذه الأمثال تظل الدليل الحي النابض عند الأبناء، تحكي لهم قصص الآباء والأجداد في جمل قصيرة، وتعبر عن المشاعر في وقت قد يعجز الشخص فيه عن وصف الموقف الذي مر به، فما أجمل تلك الأمثال، وما أجمل أن نجعل أبناءنا يتعلمون منها الدروس والقيم والمبادئ العربية الأصيلة.

Email