التراث ثروة إنسانية ومادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا يزداد العالم خاصة الغربي اهتماماً والتفاتاً إلى تراثهم المحلي والتراث الإنساني بأسره، بينما تعاني المواقع الأثرية والقيم التراثية في العديد من الأوطان العربية من الإهمال واللامبالاة؟، هل أدرك الغرب أنه مهما وصل من مراحل التوهج الحضاري والتطور التقني، فإن القيم الإنسانية المتوارثة جيلاً عن جيل تبقى نبراساً للبشرية وبوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح في عالم مليء بالطرق المتعرجة والمتفرقة.

أتساءل دوماً كيف تنبع المعرفة الغربية وتنمي اهتمامها بالتراث الشعبي، وهي المشغولة بالتحديث والتقدم على باقي الأمم في مجالات التقنية والاختراع والبحث العلمي؟ وهذا الاهتمام ليس نخبوياً، بمعنى أنه يمس فئة من فئات المجتمع دون سواها، بل إنه شامل وعام، ويكفي أن نلقي نظرة على متاحفنا ومواقعنا الأثرية لنعرف من يزورها ويقوم بالتقاط الصور التذكارية بجوارها.

بل إن هناك برامج سياحية تصمم وفق المواقع الأثرية، وكم يسعدهم ويعتبرون أنفسهم محظوظين جداً لو قدر لهم وشاهدوا رقصة من الفنون الشعبية أو شاهدوا عرضاً فيه العادات المعيشية والملبوسات ونحوها.

المدهش فعلاً أن التراث الشعبي بات لديهم علماً يدرّس في الكثير من الجامعات والمعاهد، وهناك بعض أقسام التاريخ قامت بتصميم مادة تحت عنوان التراث، ووضعت الإطار العلمي لها وتقسيماتها والمنهج الأكاديمي وقامت بوضع مادة إلزامية في بعض التخصصات ومادة اختيارية في تخصصات أخرى.

فهل سمعنا بمثل هذه المبادرات تجاه تراثنا؟ بل مما يؤسف له أننا نسمع بين وقت وآخر أصواتاً تستنكر ما تظن أنها مبادرات للاهتمام بتراثنا وتطلب التركيز على المستقبل والتحديث، وتنسى هذه الأصوات أن للتراث قيمة واستخدامات مهمة جداً في مسيرة الإنسانية بأسرها، من هذه الاستخدامات ما جاء في موقع «ويكيبيديا»، أن مواد التراث والحياة الشعبية تستخدم في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة للأمم والشعوب والتي لا يوجد لها إلا شواهد ضئيلة متفرقة وتستخدم أيضاً لإبراز الهوية الوطنية والقومية والكشف عن ملامحها.

والتراث ليس جامداً وليس في الاهتمام به عودة غير مبررة وغير مفيدة للماضي السحيق كما يفسر البعض، إنما كما ذكرت الموسوعة الحرة إن التراث والمأثورات بشكلها ومضمونها أصيلة ومتجذرة إلا أن فروعها تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة وذلك بفعل التراكم الثقافي والحضاري وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات والحضارات الأخرى وعناصر التغيير والحراك في الظروف الذاتية والاجتماعية لكل مجتمع.

وهذا صحيح، فالتراث الشعبي ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، ويكفي أن نعلم أنه أيضاً ثروة مادية تقوم على موارده دول وشعوب ويتم تصميم الميزانيات السنوية وفق دخوله وما يحققه من مكاسب، ولعلنا بنظرة سريعة نعرف أن دولة مثل أسبانيا تقوم ثروتها المادية وتطورها العمراني ونهضتها الحديثة من المردود المادي للمواقع الأثرية والمتاحف التي تحمل عمقاً وصبغة عربية إسلامية.

Email