‏تلجأ العديد من المصانع والشركات الكبرى إلى عدم تغيير أوقات حضور وانصراف المناوبات حتى لا يشعر العامل أو الحارس بربكة في نظام نومه.

ذلك ليس رأفة إدارية فحسب، بل أثبتت الدراسات أنه من المهم أن يحافظ المرء على روتين مواعيد استيقاظه ونومه أكثر من مدة النوم، ليحافظ على حيويته ونشاطه وطاقته.

أظهرت دراسة حديثة نشرت في مجلة «Sleep» أن الالتزام بجدول نوم ثابت يسهم في تخفيض احتمالية الوفاة المبكرة بمعدل 20 في المائة.

وكشف لنا الباحثون أن الالتزام بجدول نوم منتظم وقصير يمكن أن يكون أكثر فائدة للصحة مقارنة بالنوم لفترات طويلة لكن في أوقات متغيرة (أي تغير الورديات أو المناوبات) بحسب صحيفة «البيان».

وهذا لا يعني أن مدة النوم ليست مهمة، فهي في غاية الأهمية، لكن لو تخيل رجل أمن في أحد الأسواق مديره وهو يطلب منه أن يأتي في «وردية» الصباح بدلاً من «شفت» الليل ماذا سيكون شعوره؟ كيف يؤثر ذلك على مزاجه ولخبطة يومياته.

الخبراء في مستشفى «مايو كلينك» يعتقدون أن كل ما نحتاجه للحصول على أقصى طاقة أو فائدة ممكنة من النوم، هي الالتزام بستة عناصر أساسية.

العنصر الأول، الالتزام بجدول ثابت للنوم والاستيقاظ في الوقت نفسه يومياً، حتى في عطلات نهاية الأسبوع.

الثاني ضرورة مراعاة طبيعة الطعام والشراب مثل تجنب الأطعمة الثقيلة، والنيكوتين، والكافيين، و«الكحول» قبل النوم. الثالث ما يفتقده البعض وهو خلق بيئة مريحة للنوم مثل الغرفة المظلمة والهادئة مع تقليل التعرض للشاشات قبيل الخلود إلى النوم.

أما الرابع فهو الحد من القيلولة النهارية خصوصاً النوم لفترات طويلة في النهار. الخامس ممارسة الأنشطة البدنية كالرياضة المنتظمة لأنها تحسن جودة النوم لكن ينصح بتجنب الرياضة قبيل النوم مباشرة. أما التحدي الأكبر فهو العامل الأخير وهو محاولة التحكم في القلق.

غير أن العلماء يرون أن ذلك ممكناً عبر طرق عدة منها تدوين المخاوف وتطبيق كل الأساليب الممكنة لتقليل التوتر. وهي مسألة مهمة لأنها تقض مضجع الإنسان فتأخذه الهواجس والهموم في رحلة ممتدة من القلق.

وتكمن خطورة الاستهانة بسويعات النوم، أنه مهما تناول المرء ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات ومهما خالط من خير الجلساء والندماء فإن افتقاره للنوم الجيد وانضباط روتين مواعيد الاستيقاظ والنوم سوف يعكر عليه مزاجه، ويبدد طاقته وتركيزه.

فقد أظهرت إحدى الدراسات علاقة الافتقار للنوم وتشتت التركيز. فكلما زاد النوم وجودته ارتفعت مقدرة الإنسان على التركيز في مجريات الأحداث وما يتناهى إلى أسماعه، وعلى وجه التحديد ما يقرأ وما يكتب.

ويظهر البحث العلمي أن الحصول على ساعات كافية من النوم ذي الجودة العالية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الانتباه والتركيز، وهما عنصران أساسيان لعمليات التعلم.

بالإضافة إلى ذلك، يدعم النوم جوانب أخرى من الإدراك مثل الذاكرة، وحل المشكلات، والإبداع، ومعالجة العواطف، والمقدرة على إطلاق الأحكام أو تقدير الأمور أو وضعها في نصابها الصحيح.

تتأثر هذه الوظائف الدماغية خلال مراحل النوم المختلفة، بما في ذلك مرحلتي الحركة السريعة للعين (REM) والحركة غير السريعة للعين (NREM)، وتشير الأدلة المتزايدة إلى أن النوم يعزز معظم أنواع الوظائف الإدراكية.

وفي الواقع فإن أوقات النوم تقف خلف تحفيز قدراتنا الإدراكية مثل الذاكرة، ومهارات حل المشكلات، والقدرات الإبداعية، وفهم العواطف.

وأكاد أجزم أن كثيراً من مشكلاتنا وخلافاتنا المفاجأة قد انبثقت في لحظات انفعال أو تعكر مزاج مرتبط بقلة النوم أو ضعف جودته. فلا يمكن أن يتمتع المرء بالطاقة الكاملة إذا ما كان هناك ضعف في جودة نومه العميق وهي أوقات «السبات» العميق.