اجعل لديك سراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسعى خلال القراءة في أي كتاب إلى التعرف على الثقافات المتنوعة، والاستفادة من القصص الحقيقية الغريبة، التي تحمل الكثير من المعاني والعبر. وبين يدي قصة لا تتميز بالغرابة وحسب، وإنما بما حملته من معانٍ إنسانية نبيلة، وهي ثقافة مساعدة الآخرين، وتقديم العون لهم دون انتظار رد الجميل.

القصة هي عن فتاة تدعى كارول برنيت، كانت لديها رغبة للعمل في مجال المسرح، لكن أمام الواقع المعيشي، الذي تعيشه كان أملها مبعثراً ولا مجال لتحققه، إلا أنه في إحدى الليالي، وبعد أن قدمت دورها في مشهد مسرحي من حفل متواضع، أقامته جامعتها لوداع أحد الأساتذة، تقدم نحوها أحد الحضور، وقدم نفسه وزوجته، وسألها عن خططها للمستقبل، فقالت إنها تريد السفر إلى نيويورك، لاحتراف العمل المسرحي، وتبدأ حياتها المهنية، لكن ظروفها المادية تمنعها، قدم لها الرجل مبلغ ألف دولار، وهو يقول: أعتقد أن هذا المبلغ كفيل بمساعدتك للسفر، فوجئت بعرضه خاصة أنه لا يعرفها، ولكن الرجل وضع ثلاثة شروط الأول: في حال حالفها النجاح يجب أن تعيد له المبلغ، والثاني ألا تكشف هويته لأحد، أما الثالث أن عليها أن تكرر هذا المعروف، وأن تساعد شخصاً آخر يمر بنفس ظروفها إذا تمكنت من ذلك.

وافقت على الشروط، واستلمت مبلغ الألف دولار، وسافرت إلى نيويورك، لتبدأ حياتها المهنية، في البداية عملت في عدة وظائف لتوفر المال بقدر المستطاع، وفي أحد الأيام قامت هي ومجموعة من الأشخاص بجمع مبلغ لاستئجار قاعة، ثم قاموا بدعوة جميع النقاد والوكلاء في المدينة، وعملت ومعها زملاؤها بجد ونشاط، حيث قام البعض منهم بتصميم المناظر، وقام آخرون بتأليف الموسيقى والأغاني، وهناك من ركز على إخراج الرقصات، وما إن أصبح الفصل الأول من المسرحية جاهزاً، إلا وقاموا بتنفيذه أمام مجلس إدارة الفندق أولاً فما كان منهم إلا أن قدموا لهم المزيد من المساعدات الإضافية، وعندما حان موعد عرض المسرحية، التي استمرت ثلاث ليال، حصدت النجاح الباهر، وبعد إغلاق المسرح بيوم واحد فقط تلقت كارول ثلاثة اتصالات من وكلاء يقدمون لها عروض عمل، لقد فتحت أبواباً كثيرة أمامها وانطلقت أعمالها، وبطبيعة الحال أخبرت الرجل، الذي تبرع لها بمبلغ الألف دولار، بما حدث معها من تطورات إيجابية في وقت قصير، إلا أنها لم تسمع منه سوى القليل جداً، فقد كان مصراً على إخفاء هويته، ولم تكن له أي رغبة في أن يشاركها الأضواء.

بطبيعة الحال قامت كارول بإعادة المبلغ إلى ذلك الرجل، ولم تنقض عهدها، فلم تكشف عن هويته، وأيضاً هو لم يخبرها في أي يوم من الأيام عن سبب قيامه بهذه المساعدة، لكن مع مرور السنين تقول كارول إنها اكتشفت السبب والحل لهذا اللغز، لغز سبب تقديم المساعدة للآخرين، تقول: «كنت أطالع نسخة من أحد الكتب في التراث القديم، وانتقلت إلى ترجمة الأقوال المأثورة، ووجدت هناك جملة، مفادها: إذا تصدقت على محتاج فلا تجهر بصدقتك كما يفعل المراؤون، وإذا أسديت معروفاً لأحد فافعله سراً، وسوف يجازيك الله الذي لا يخفى عنه شيء، ذلك كان حل اللغز، افعله سراً.. لقد كان ذلك الرجل يطبق هذا المبدأ الروحي، دون أن يتفاخر بشيء منه».

كتبت كارول أيضاً كلماتها الأخيرة في قصتها، حيث قالت: «سأظل مدينة بالفضل دائماً لصديقي المجهول، لقد سددت الدين بكل فخر، وبكل فخر بقي اسمه سراً لم أفشه، أما عن شرطه الثالث أن أقوم بتمرير المعروف إلى الآخرين– فهذا سري أنا». 

أعتقد أنكم تتفقون معي أن في ديننا الحنيف حثاً واضحاً وصريحاً على مثل هذه القيم، واليوم أعتقد أن هناك الكثير جداً من الثقافات من مختلف الأمم تشاركنا رغبة العمل الإنساني، وبذل الخير للآخرين، ومساعدة المحتاج دون إعلان وتشهير، وبالمناسبة فإن المحتاج في البعض من الأحيان قد يكون محتاجاً للتشجيع أو لكلمة وتوجيه، وليس بالضرورة دوماً محتاج مادياً، المهم ما أجملها من ثقافة لو قدر لأحدنا أن ينشرها ويبثها، ويبدأ بنفسه في تطبيقها، لتستمر دائرة متصلة من فعل الخير ومساعدة المحتاجين، دائرة من البهاء والجمال الروحي والسعادة غير المنقضية وغير المنقطعة، والتي لا مثيل لها.

 

Email