كيف نجحت تايلاند في إطلاق رهائنها بغزة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت أحداث غزة لتسلط الأضواء على حجم العمالة الآسيوية في إسرائيل وأوضاعها، بعيد مقتل عدد من العمالة التايلاندية، وأسر بعضهم كرهائن، ضمن 242 مواطناً إسرائيلياً وأجنبياً من جنسيات مختلفة.

وعلى حين يعيش في إسرائيل نحو مئة ألف فلبيني، يعمل معظمهم في المدن الرئيسة كفنيين وممرضين، يعمل نحو 30 ألف تايلاندي في مهن زراعية وصناعية بسيطة في المناطق الصحراوية، بالقرب من خطوط التماس مع قطاع غزة.

ومن هنا، وجد هؤلاء التايلانديين أنفسهم بين ضحايا عملية حماس الأخيرة في 7 أكتوبر المنصرم، حيث قتل 34 تايلاندياً، وأصيب 19، وتم احتجاز 24 منهم من قبل حماس كرهائن، ليكونوا الجنسية الأكثر عدداً لجهة الاحتجاز.

وعلى الفور، بدأت بانكوك عملية دبلوماسية هادئة وجريئة، لإطلاق سراحهم، وتأمين عودتهم إلى بلادهم. هذه الدبلوماسية استرعت انتباه وسائل الإعلام الآسيوية، وسط كيل المديح لها، خصوصاً بعد نجاحها في إطلاق سراح ما لا يقل عن 17 مواطناً من المحتجزين، في صفقة تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس، وهو ما فشلت فيه دول أخرى أكثر نفوذاً. فماذا فعلت تايلاند يا ترى؟.

الحقيقة أن حكومة تايلاند استخدمت بحرفية ورقة الحياد، بإعلان رئيس الوزراء «سريتا تافيسين» في 29 أكتوبر، أن تايلاند دولة محايدة ومسالمة، وليست جزءاً من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فيما أكدت وزارة الخارجية التايلاندية، أن بانكوك تدين جميع أشكال العنف، أياً كان مصدره.

لاحقاً، أطلق رئيس مجلس النواب التايلاندي «وان محمد نور ماتا»، وهو من الأقلية المسلمة، التي يربو عددها على سبعة ملايين نسمة، مبادرة لإرسال وفد من زعماء المسلمين التايلانديين إلى طهران، للتفاوض حول مصير الرهائن مع إيران، وكي تنجح المبادرة، حرص التايلانديون على أن يضم الوفد الذي توجه إلى طهران في 27 أكتوبر الماضي، ممثلاً عن مسلمي تايلاند، هو عضو البرلمان السابق عن مقاطعة ناريتوات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة «أريبين أوتارسين»، وممثلاً عن مسلمي تايلاند، هو «ليربونغ سيد» كمندوب عن شقيقه «سيد سليمان الحسيني»، علاوة على شخصية مسلمة ثالثة، كممثل شخصي لرئيس مجلس النواب.

عقدت هذه الشخصيات الثلاث مفاوضات معقدة في طهران، استمرت لمدة ثلاث ساعات متواصلة، مع دبلوماسيين إيرانيين كبار، ومع ممثل «حماس» في طهران، خالد قدومي، حيث أكدوا لهم مجدداً أن تايلاند لا تعادي أي طرف من أطراف النزاع، وأنها تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، وكافة الدول العربية والإسلامية، وكذلك مع ممثلي الشعب الفلسطيني، وأن ما يهمها فقط هو سلامة رعاياها الذين أجبرتهم ظروفهم المعيشية الصعبة على السفر إلى إسرائيل، للعمل في منشآت مدنية بحتة، بموجب عقود محددة.

لم تكتفِ بانكوك فقط بهذه المبادرة، التي اعتبرت مفتاحاً مهماً لنجاح دبلوماسيتها، وإنما أضافت إليها تحركاً آخر، تولاه وزير خارجيتها «بارنبري باهيديا نوكارا»، الذي سافر على عجل إلى كل من مصر ودولة قطر، لتوسيطهما في عملية الإفراج عن المحتجزين، بحكم وجود قنوات اتصال لكلتا الدولتين مع حركة حماس.

هذا، ناهيك عن لقاء تم في الدوحة بين الوزير التايلاندي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان في زيارة لقطر، حيث دعا الأول الثاني إلى استخدام مساعيه لدى «حماس»، لإنهاء معضلة المواطنين التايلانديين، مع استعداد بانكوك لتأمين وسيلة انتقالهم فوراً إلى بلادهم.

ويبدو أن تحرك الوزير التايلاندي في مصر، كان الأكثر نجاحاً، بدليل إطلاق سراح 14 رهينة تايلاندية ورهينة فلبينية واحدة، كجزء من صفقة منفصلة بين حركة حماس والحكومة المصرية، في 24 نوفمبر الماضي. وفي 26 نوفمبر، تم إطلاق سراح ثلاث رهائن آخرين، ليصبح مجموع من أطلق سراحهم 17 رهينة من أصل 24.

الغريب في الأمر، أنه في أعقاب هذه المساعي الدبلوماسية الناجحة، راح كل من وزارة الخارجية التايلاندية، ومجلس النواب التايلاندي، يعزي ما تحقق إلى جهوده وحده.

 

Email