الأساطير وظلم القديم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما كانت الأسطورة محل دراسة وفحص وتدقيق من قبل الكثير من الباحثين والدارسين في علم الإنسان، وهناك الكثير من النتائج البعض منها لا تتجاوز كونها نظريات لم يتم التحقق من صحتها المطلقة، والبعض من تلك الآراء لا تستحق حتى التوقف عندها لأنها تجرد الإنسان من العقل والفهم، والسبب إيمانه بفكرة اكتشفنا في عصرنا الحاضر أنها مستحيلة.

لكن الذي أود الحديث عنه في مجال الأسطورة وتكونها، أنها لم تأتِ في سياق الجهل والأمية المعرفية، كما قد يعتقد البعض، أو بمعنى أصح لم تكن عدم المعرفة سبباً رئيسياً في نشوء الخرافات والأساطير، وإن كان هذا عاملاً حيوياً ومهماً، لكنه ليس الوحيد، وليس هو العامل الرئيسي دوماً.. لماذا؟ لأننا في هذا العصر تحديداً الذي توهج بالمعارف والتكنولوجيا والمخترعات، والهواتف الذكية وتطورات هائلة في عالم الإنترنت، والتي باتت جزءاً من حياتنا جميعاً، وباتت المعلومات على مختلف أنواعها في متناول يد كل واحد منا، وما عليه إلا التصفح ليس بالحاسب الآلي المحمول، بل بهاتفه الذكي الصغير، ليحصل على ما يريده من معلومات، ورغم هذا فإن الكثيرين لا يقومون بهذه المهمة البسيطة، حيث يستسلمون للأفكار الآنية أو التحليل العشوائي، والتسليم ببعض المقولات، رغم الخطأ الواضح فيها.

هناك جانب حيوي مهم في هذا السياق يتعلق بالخرافة في الأروقة العلمية، فالبعض من المعلومات التي اعتبرت حقائق علمية ولا تقبل الشك أو النقاش، وحيكت حولها أسطورة كبيرة، وهي لا تتجاوز كونها معلومات مغلوطة لا أكثر.

سأضرب مثالاً للمزيد من التوضيح، هناك معلومة نرددها يومياً، بأن مخ الإنسان استثنائي وكبير وذو مقدرات هائلة، وهذه المقولة قديمة وتواترت حتى العصر الراهن، ومردها قد يعود حسب البعض من العلماء بسبب حجم المخ الصغير أمام جسد الإنسان الكبير، فلهذا حيكت حوله الكثير من المبالغات حول قدراته المهولة والعظيمة، ومما عزز هذه النظرة حديثاً بعد التعرف أكثر على مخ الإنسان، ورؤية ما يحتويه من خلايا عصبية كثيفة جداً، ثم الخلايا الداعمة، فضلاً عما يحيط به من أسرار لم تكشف حتى يومنا هذا.

إلا أنه حسب ما نشر في موقع «natura» هناك دلالات أخرى ومعلومات أكثر دقة عن المخ، منها ما قاله الدكتور لوري مارينو، عالم الأعصاب في جامعة إيموري في أتلانتا جورجيا: «نحن ننتقي الأرقام التي تجعلنا نشعر بالتفوق»، ولعله يشير إلى صناعة ما يجعلنا نشعر بأننا كائنات متفوقة ومتميزة، لذا نضيف الكثير من المعلومات غير الحقيقية».

على سبيل المثال، ومن الموقع نفسه: «عدد خلايا المخ ناله قدر كبير من المبالغة والتضخيم، فمعظم المقالات والمراجع الدراسية تقول إن المخ البشري يتكون من 100 مليار خلية عصبية، لكن القياسات الأدقّ تقول إن الرقم الأصوب هو 86 مليار خلية».
الدكتور تشيت شيروود، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة، قال: «إن أسطورة تميُّزنا بمخ فريد بسبب العدد الكبير من الخلايا العصبية قد ألحقت الضرر بالعلوم العصبية، لأنها طغت على الفروق الأخرى المحتملة، التي نادراً ما كانت تحظى بالدراسة والتحقيق، ومنها التمثيل الغذائي، ومعدل نمو خلايا المخ، وطول الوصلات العصبية».

ببساطة الإنسان مولع دوماً بصنع الخرافات، سواء قديماً أو حتى حديثاً، وفي ظل العلم أيضاً.

Email