حكايات أهل الفن

«أفيهات» توفيق الدقن وقصته مع الجمهور

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفنان المصري القدير توفيق أمين محمد أحمد الشيخ الدقن الشهير بتوفيق الدقن المولود في قرية «بركة السبع» في المنوفية في 3 مايو 1923 والمتوفى بمستشفى الصفا بحي المهندسين القاهري على أثر مضاعفات الفشل الكلوي في 26 نوفمبر 1988، اشتهر بأداء أدوار الشر على الشاشة بنكهة كوميدية وخفة ظل لم يجاريه فيها أحد من زملائه.

فمعظم الشخصيات التي قدمها في أفلامه ومسلسلاته ومسرحياته التي تجاوزت الـ 350 عملاً مثل: العربيد والسكير والبلطجي وزعيم العصابة واللص لازمتها «أفيهات» بقيت خالدة في ذاكرة الجمهور إلى اليوم ومنها: «أحلى من الشرف ما فيش»، و«صلاة النبي أحسن»، و«العلبة دي فيها فيل»، و«همبكة»، و«يا آه يا آه»، و«باي باي يا أمم»، و«حكمتك يا رب، النملة طلعت لها أسنان»، و«الناس كلها بقت فتوات، أمال مين اللي حينضرب»، وغيرها..

غير أن جمهور السينما من البسطاء والجهلاء كرهه بسبب تلك الأدوار، معتقداً أن الرجل لص وعربيد وبلطجي بالفعل، فكانت هناك مفارقات ومحاولات للتصدي له وعدم التعامل معه، بل إن الأمر انسحب حتى على عائلته. فأمه مثلاً اعتقدت أن ولدها الوحيد بالفعل شرير، بعد أن سمعت الكثيرين يهجونه حينما قدمت من الصعيد إلى القاهرة للعلاج، فتوفيت حنقاً.

وحينما كان يسير ذات مرة في الطريق العام بشارع عماد الدين في القاهرة لاحقه بعض المارة ناعتين إياه بشخصيات أفلامه الشريرة. إلى ذلك، يروى أنه، حينما سكن لأول مرة في منطقة العباسية بالقاهرة، دخل أحد محلات الجزارة ليشتري لحماً، فإذا بالجزار صاحب المحل يطرده ويلاحقه بالساطور في الحي، مندداً به وصائحاً بعبارة «ولك عين يا حرامي تخش (تدخل) محلي». وظل الجزار ينظر إليه شذراً لأشهر عدة عند دخوله وخروجه من مكان إقامته.

وتوفيق الدقن، لم يكن مجرد ممثل عادي حبسه المخرجون في أدوار الشر، وإنما كان صاحب مواهب تمثيلية استثنائية، وشكل حالة فنية خاصة، بدليل أنه حين عرض عمل ما عليه كان يدرس دوره فيه جيداً ويخترع له ما يناسبه من حوار ولزمة وأفيهات، لذا فإن ما سردناه آنفاً من أفيهاته لم يكن وارداً في النص وإنما هو الذي صنعه بخبرته وموهبته وذكائه.

والمعروف أن الدقن حظي في طفولته بحب واهتمام شديدين من قبل والده بعد أن خسر الأخير ابنه الأول. وحينما كبر التحق بكتاب قريته الصعيدية ثم حصل على الابتدائية والإعدادية والثانوية من مدارس المنوفية، ليدخل بعدها إلى سوق العمل من أجل أن يساعد أسرته على أعباء الحياة، حيث نجح في الحصول على وظيفة محاسب في ورش السكة الحديد. وإبان تلك المرحلة من حياته مارس رياضة كرة القدم، فلعب كجناح أيسر في فريق نادي المنيا وفي فريق نادي السكة الحديد.

وتشاء الصدف، أثناء إقامته مع أسرته في المنيا، أن تعرض مسرحية على خشبة مسرح «جمعية الشباب المسلم»، وأن يغيب بطل المسرحية الفنان عبد العزيز خليل لظرف قاهر، فاضطرت بطلة المسرحية روحية خالد ومخرجها فتوح نشاطي البحث عن بديل، فكان البديل هو توفيق الدقن الذي نجح في أداء ما هو مطلوب منه ببراعة. ولهذا نصحته روحية خالد بالذهاب إلى القاهرة لمقابلة الفنان المسرحي الكبير زكي طليمات من أجل أن يلحقه بمعهد الفنون المسرحية كي يصقل مواهبه أكاديمياً. وبالفعل تمكن الدقن من الالتحاق بالمعهد والتخرج منه في عام 1951، ومن ثم بدأ مسيرته الفنية من خلال المسرح الحر والمسرح القومي.

ومن المسرح اقتحم السينما وقدم مجموعة من الأفلام الجميلة الخالدة، لعل أهمها: «صراع في الميناء»، و«درب المهابيل»، و«ابن حميدو»، و«سر طاقية الإخفاء»، و«في بيتنا رجل»، و«ألمظ وعبده الحامولي»، و«الناصر صلاح الدين»، و«مراتي مدير عام»، و«الستات ما يعرفوش يكدبوا»، و«أحبك يا حسن»، و«نهاية الطريق»، و«إني أتهم»، و«عبيد الجسد»، و«بطل للنهاية»، و«زقاق المدق»، و«بنت الحتة»، و«الرعب»، و«بلا رحمة»، و«رغبات ممنوعة»، وغيرها.

Email