حل الدولتين.. قول على قول

ت + ت - الحجم الطبيعي

من طوكيو في أقصى شرق المعمورة إلى واشنطن في أقصى الغرب ينعقد إجماع المعنيين بمسار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ومصيره، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أن حل الدولتين هو الأكثر معقولية ومقبولية، لتحقيق التسوية السلمية في رحاب فلسطين التاريخية. لا يخرج عن هذا الخط الدولي المستقيم ويشذ عنه سوى الطرف الإسرائيلي، الذي يتبنى موقفاً، يراوح بين الرفض العدمي وبين السيولة والغموض والتحايل ومحاولات الالتفاف والتهرب.

في سياق حرب غزة المتفاعلة، ثبت أن كل أوراق التوت في عالمنا لا يمكنها إخفاء الانحياز الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، ومع ذلك أكد الرئيس بايدن في أحدث مداخلاته أن «بلاده تعمل على تحقيق حل الدولتين، كي يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنباً إلى جنب في سلام، ونفى صحة التسريبات القائلة إنه يوافق على تهجير سكان غزة، ويسعى لاعتمادات مالية، تساعد على توطين الفلسطينيين في سيناء المصرية، ودعا إلى توحيد السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة وتفعيلها، ولو في صيغة جديدة.

وإذا نحينا إجرائياً، بعض التفصيلات الموصولة بمناكفة ومنافسة كل من موسكو وبكين، لنفوذ واشنطن ومكانتها، دولياً عامة، وشرق أوسطياً خاصة، مثل لوم الولايات المتحدة على احتكارها لدور الوساطة في التسوية الإسرائيلية- الفلسطينية، نقع على شيء كثير من التلاقي والتوافق بين الأقطاب الثلاثة على رؤية الدولتين. الدلائل بهذا الخصوص تعز على الحصر، لعل آخرها مصادقة الرئيسين الروسي بوتين، والصيني شي جين بينج على بيان قمة مجموعة «بريكس» الافتراضية الاستثنائية في نوفمبر الماضي الذي دفع بأن الحل العادل والدائم للصراع لا يمكن تحقيقه إلا بالوسائل السلمية على أساس القانون الدولي، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية، من أجل التوصل إلى حل الدولتين. وبالمناسبة عرض الرئيس الصيني أمام المؤتمر وصفة ذات طابع عملي، بأن دعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بأسرع وقت ممكن، بهدف إنجاز هذا الحل، وإن صحت التوجهات، وصفت النيات، نكون إزاء خطوة لا يختلف على جدواها وحكمتها عاقلان.

قبل بيان مجموعة «بريكس» كانت القمة العربية الإسلامية قد خرجت على العالم برؤية مماثلة. وعلى المنوال ذاته نسجت - ولا تزال- قوى وأطر تحظى بمقامات رفيعة وكلمة مسموعة وأدوات للتأثير، بحيثيات لا يمكن التشكيك في طاقتها على الحركة والفعل في الحيزين الإقليمي أو الدولي، أو على الصعيدين معاً، رسمياً وشعبياً.. منها بلا حصر الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، رابطة جنوب شرق آسيا، مجموعة الكاريبي، اتحاد دول أمريكا اللاتينية.

وترافق هذا الزخم العالمي مع ما تردد لغير مرة، وفي غير مناسبة، على لسان أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة: «ينبغي تحويل مأساة القتال في غزة إلى فرصة، بأن نتحرك بحزم لا رجعة فيه نحو تسوية الدولتين».

هناك، والأمر كذلك اصطفاف دولي غير منقوص، وراء حل واحد وأسلوب واحد لتسوية الصراع. هذه حالة إجماع نادرة لا تتوفر لمعظم الصراعات الساخنة منها، والباردة في عالمنا المعاصر، والطرف الذي يتفنن في عرقلة هذا الحل، المفارق للإرادة الدولية، ليس لهواً خفياً، وإنما هو معلوم، ويقوم على سياسته الدموية اليوم نخبة حكم وسياسة، لم تدع مخالفة للقوانين، موصولة بتسوية الصراع، إلا اقترفتها.

نحن إزاء مشهد عالمي مثير للدهشة، وتقترن هذه الدهشة بمزيج من الغضب والحيرة، حين يلاحظ المرء كيف أن طرفاً من الأطراف أو إطاراً من الأطر الدولية، المنشغلة جدلاً بفكرة الدولتين الآن ولنحو ثلاثين عاماً خلت، لا يكف عن تكرار مناشدة المجتمع الدولي، واستحثاثه لإعمال هذه الفكرة ! إذ مَن هو المجتمع الدولي غير هؤلاء ؟! أين كلمة السر في هذه المفارقة ؟!

Email