زايد والزراعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختلاف التضاريس والبيئة في الإمارات أوجد تنوعاً في المهن والمهام والوظائف، التي يقوم بها إنسان هذه الأرض، حيث ستجد البيئة الصحراوية والواحات الزراعية، والأرض الخصبة الصالحة للزراعة، وستجد البحر وصيد الأسماك واللؤلؤ، وستجد البيئة الجبلية والسهول، التي يكثر فيها الرعي وتربية الحيوانات، وفي كل واحدة من هذه البيئات ستجد ملحمة وقصصاً تروى حتى اليوم، إنه تراث الآباء والأجداد في عمل دؤوب ومتواصل مع البيئة، للتمكن من الحياة ومواصلة العيش.

وإذا عدنا للوراء خمسة عقود من الزمن، وهو تاريخ ليس بعيداً عن الذاكرة فسنجد ملامح لن تخطئها العين من هذه الجهود الجبارة، والعمل المتقن المضني، الذي بذله الآباء والأجداد في سبيل الحياة الكريمة.

وإذا استحضرنا واحدة من أهم هذه المهن وأكثرها قسوة وأكثرها أيضاً حاجة، والتي مارسها إنسان هذه البلاد في بيئة جافة وأرض ملتهبة، وهي الزراعة، فإننا سندرك حجم الجهد والعمل الذي تم بذله، وإذا اطلعنا على المقتنيات والمبتكرات، التي أوجدها إنسان هذه الأرض، لتساعده للتغلب على الصعوبات، التي يواجهها فإننا أيضاً نعلم أن هذا الإنسان لم يقف عاجزاً، ولم يسمح بأن يتسرب اليأس إلى قلبه، لقد اختار المواجهة والعمل المضني على التوقف أو حتى على مغادرة الأرض، ومحاولة إيجاد بقع ومكان أفضل حالاً.

الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أولى الزراعة العناية والاهتمام، فهو القائل: «أرني بلداً يتمتع بقاعدة زراعية قوية أرك بلداً قوياً راسخاً»، لذا قام بجهود في تطوير الزراعة، وإدخال التقنيات الحديثة، وعمل على استصلاح أراض جديدة حتى تلك التي لم تعرف بأنها زراعية أو غير صالحة للزراعة، ووضع برامج وخطط، بهدف إصلاح وتجديد الأفلاج، التي كانت تستخدم في الري، وهذه الجهود التي قام بها الشيخ زايد، رحمه الله، كان لها صدى كبير على مستوى العالم، وكانت لنجاحات الإمارات في تحويل بقع صحراوية واسعة لأراض زراعية صدى لدى العلماء والساسة على حد السواء.

الخبير العالمي في علوم الزراعة الدكتور برنارد لافيري، وهو العالم الذي نجح في استنبات ثمار ذات أرقام قياسية عالمية في الحجم، مثل عرنوس الذرة بطول 36 بوصة، وزهرة البتونيا بطول 19 قدماً، هذا العالم بعد زيارته إلى أبوظبي وقيامه بجولة على عدد من المزارع، ورؤيته للمساحات الصحراوية الواسعة، وقد تحولت إلى واحات زراعية خضراء قال عن الشيخ زايد: «الرجل الذي اخضوضرت الصحراء على يديه» و«الرجل الذي روّض الصحراء».

أما إذا عدنا للوراء قبل قيام اتحاد الإمارات فسنجد أن اهتمام الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، بملف الزراعة والمزارعين ماثلاً، فهذا هو أنتوني راندل، الذي عمل في قوة السرية المتمركزة في البريمي، خلال الفترة 1960 -1962، تحدث عن تلك الفترة التي قضاها في العين تحديداً فقال: «كانت الزراعة في العين تعتمد على توفير متطلبات الغذاء للبشر والحيوانات، وكان الشيخ زايد الروح المحركة لمشروع زراعة الحديقة الخلفية لقلعة الجاهلي، حيث كانت توجد قوة ساحل عُمان، في بداية ستينيات القرن الماضي، وقد اعتاد زيارة المكان دون سابق إنذار، ليقف على ما يحرزه المشروع من تقدم، وكان يجلس على الأرض وهو ينظر إلى الطماطم وهي تخرج من الرمال، ويواصل تأملاته بشأن إمكانية تخضير أبوظبي»، واليوم تعتبر الإمارات واحدة من أهم الدول، التي تصدر الكثير من المنتجات الزراعية لمختلف دول العالم، وهو أمر يدعو للفخر والاعتزاز. إنها ثمار جهد ورؤية الشيخ زايد، رحمه الله، وهي إرث الآباء والأجداد، الذي سطع ونما وكبر مع بزوغ فجر اتحادنا.

Email