المجتمع الإماراتي تطور حتى التماسك

ت + ت - الحجم الطبيعي

المنجزات الحضارية على مختلف أنواعها من الاقتصاد إلى العمران والتطور في وسائل النقل والمواصلات إلى التنمية الشاملة تجعل المراقبين والمتخصصين في التنمية الإنسانية يقفون بإعجاب وتقدير أمام المنجز الإماراتي، وذلك بسبب عوامل عدة: أولها العمر القصير الذي تحققت فيه مثل هذه المنجزات الجبارة، وثانياً التمكن والنجاح في المحافظة على العادات والتقاليد والموروث بل وتسخير التطور لخدمة المنجز الإنساني الإماراتي القديم، أما ثالث الأمور يتمثل في المحافظة على تماسك المجتمع الإماراتي ووحدته، رغم كل وسائل التغريب وتعدد قنوات التلقي الحضاري من شعوب وأمم مختلفة إلا أن الهوية الإماراتية حافظت على رياديتها وتميزها وتميز حضورها.

السبب يعود إلى قوة البناء في تقاليد الإنسان الإماراتي والتصاقه القوي بتراب أرضه وانتمائه الواضح والمخلص لأبناء جلدته.. ورغم أن ما تحققت لهذه الأرض المباركة من منجزات وقفزات مالية كبيرة جداً في عمر قصير نقلت إنسان هذه الأرض من حالة الفاقة والحاجة والعمل القاسي في الصحراء الحالكة أو في البحر، إلا أن هذه القفزة وإن ضربت في قيم دول وشعوب أخرى، إلا أنها لم تقوَ على الإنسان الإماراتي الذي ظل وفياً لتراثه وقيمه وأرضه فلم يقفز على ثوابته مثلما قفزت الموارد المالية.

الإنسان الإماراتي مثل أي إنسان له طموحات وآمال يريد النمو والبقاء والتطور يريد أن يبذل ويقدم أيضاً يريد أن يحصل على حاجاته ومتطلباته ورغباته ولكنه يتميز بالذكاء الفطري الذي اكتسبه من قسوة الصحراء وتموجات البحر وتقلباته.. لذا كان رقيه الحضاري متماشياً مع التطور الاقتصادي، ومع كل هذه الوفرة المالية التي تحققت، بل تواكبت تطلعاته ونظرته مع ما يتم تحقيقه من تقدم عمراني وتنموي، ظل المجتمع الإماراتي متماسكاً تماماً مثل السابق، ظلت عاداته وتقاليده في الترابط الأسري والاحتفال الاجتماعي لأي مناسبة ماثلة حتى اليوم، لم تقوَ أي عوامل حضارية حديثة من تقويضها، لأن المجتمع الإماراتي تفرد بخصائص قلما تجدها في مجتمع آخر فهم وإن كانوا أفراداً يكونون نسيجاً من القبائل التي تعيش على ثرى أرض الآباء والأجداد، إلا أنه جميعهم في الماضي كالحاضر، الدين الواحد واللسان الواحد والآمال والأحلام الواحدة، تاريخ وتراث وعادات وتقاليد جميعها قيم مشتركة.. لذا في وسط التطور والتقدم بقي الإنسان الإماراتي وفياً لأهله ولبلاده.

عندما أقول إن المجتمع الإماراتي مازال مترابطاً ومازال متحداً، ولم تدخل بين جنباته قشور الحضارة ولا وهن المادة ولا قسوة القلوب وضيق الأفق والنفوس، فهذه هي الحقيقة في أنصع صورها

وأوضح معالمها، ويمكن للدلالة على وحدة مجتمعنا أن يتم البرهنة بأمثلة عدة: منها الأسرة في الإمارات وقوة التلاحم بين أفرادها وحضورها الطاغي، الأسرة التي نشاهدها يومياً في طمأنينة الأطفال وحرص الأب والأم وتربيتهم الواحدة، ومن المعروف أن قياس استقرار أي مجتمع تبدأ من قياس وحدة وأمن وتكاتف الأسرة فيه، حيث يعد البناء الأسري من الأمثلة الصارخة على قوة الحياة الاجتماعية في أي كيان في العالم، بل تعد الأسرة هي النواة لأي تخلخل قد يعاني منه أي مجتمع.

وهناك نماذج أخرى مثل الزواج وتقاليده وطقوسه والتي هي ماثلة ومتوارثة حتى يومنا هذا، يمكن أيضاً النظر لجوانب أخرى تتعلق بالتكافل الاجتماعي وقيم احترام الكبير ورحمة الصغير وحماية المرأة ومنحها حقوقها ثم مشاهدة الواقع اليوم ومعرفة كيف تعامل الإنسان الإماراتي مع كل هذا التطور والتقدم، وكيف وظفه لدعم أسسه الاجتماعية المتينة، وحولها إلى قوانين وأنظمة لتحمي ترابط المجتمع وعاداته وتقاليده أولاً، ولتنمي عند الأجيال القادمة أهمية هذا الموروث وهذه القيم ثانياً.

لتستمر مسيرة البناء الاجتماعي في الإمارات في التطور الإيجابي ولتتحقق أكثر روح الاتحاد ككيان وطني مهم على مستوى العالم وككيان اجتماعي قوي عميق الجذور والقيم.. كيان اجتماعي يغذي العالم بفضائل الخير والسلام والمساواة والعدالة.

Email