مشقة أن تكون مؤلفاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

 مهمة أن تكون مؤلفاً وأن تصبح الكتابة جزءاً من يومك، ليست كما قد يتخيلها البعض من السهولة والبساطة، لأنه مع تواصل الجهد الذهني وتوليد الأفكار تصبح المهمة أكثر مشقة، لذا لا يكون أمامك خيار سوى أن تصبح الكتب رفيقة لا تمل منها لأنها هي الوحيدة القادرة على مساعدتك وإخراجك من حالة الجمود الفكري، وتبقى كل لحظة مواتية للكتابة مهددة بالضياع، فكلما أوغلت في عالم الكتابة بت أكثر حاجة للتركيز والهدوء ومع مثل هذه الحالة يصبح كل شيء مشتتاً لانتباهك، وما يعتبره البعض فرصة للترويح عن النفس تصبح لك بمثابة ورطة لا تعرف كيف وقعت فيها.

يقول المؤلف وكاتب السيناريو والشاعر الراحل أوسكار هامرشتين الثاني: «يعد الشعاع المفاجئ لضوء القمر أو صوت الطائر المغرد الذي استمعت إليه للتو أو القبلة التي طبعتها لتوّك على جبين طفلة صغيرة أو المنظر الجميل الذي تطل عليه من نافذتك سبباً في صرف انتباهك بعيداً عن كتابة ولو كلمة واحدة، فمن المحتمل أن تعوق مثل هذه اللحظات الجذابة عمل الكاتب وتؤخرة».

 وهذا يعني أن كل جميل في حياة الناس، هو للمؤلف خطر يهدد وجدانه ويعيث في عقله ويبعده أشواطاً عن منجزه وعن ما يريد الكتابة عنه، لذا فإن حاجة المؤلف دوماً مختلفة عن حاجات الآخرين، والذي يحدث في هذا السياق أن عدداً لا بأس بهم من المؤلفين والذين لم يتمكنوا من المزج بين حياتهم الاجتماعية وبين متطلبات الكتابة، باتوا على هامش الحياة الاجتماعية تماماً، فتجدهم يعانون من الوحدة وما يشبه النبذ، وكأنه قرار هم اتخذوه، والغريب في الأمر أن هذه الحالة هي التي تجعلهم يكتبون بتميز وتجعلهم أكثر انكباباً على الورق، ورغم أنه ليس معظم من ألف وكتب يهدي بمثل هذه الحالة إلا أننا لو استعرضنا سيرة كبار المؤلفين ومن قدموا منجزات أدبية رائعة للبشرية ستجدهم كانوا يعيشون تماماً على هامش الحياة الاجتماعية، بل إن البعض منهم خسروا حتى الطرق المثلى للتعامل مع الآخرين والبعض منهم تجدهم في تعاملهم أشبه ما يكونون بطفل ساذج تملأ وجدانه البراءة والنقاء.

Email