المعارضات الشعرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

شغلت «المعارضات الشعرية» من شعرنا العربي مكانا عليّاً جرياً على سنن التواصل الحضاري والثقافي في تراثنا من جهة، وإظهاراً للمواهب الفردية، والسمات الشخصية التي تميز كل شاعر عن زميله من جهة أخرى، كذلك لتفنّد فكرة الجمود والتقليد التي شاعت على ألسنة الكثيرين ممن يلمزون التراث العربي عامة، والتراث الأدبي خاصة بذلك. ومن القصائد المشهورة، التي حظيت بكل مقال، ورددها المنشدون في كل مجال، قصيدة «التوزري» المعروف بابن النحوي (ت 513 هـ) المشهورة بـ«المنفرجة» أو «الفرج بعد الشدة»، ومطلعها:

(اشتدّي أزمة تنفرجي ... قد آذن ليلك بالبلج)

(وظلام اللَّيْل لَهُ سرج ... حَتَّى يَغْشَاهُ أَبُو السرج)

قال المراكشي (ت 703 هـ): «وهي قصيدة مشهورة، كثيرة الوجود بأيدي الناس، ولم يزالوا يتواصون بحفظها...».

ولم يألُ الناس جهداً في شرحها، ومعارضتها، وتخميسها.

وقولهم اشتدي؛ أي: ابلغي النهاية في الشدة حتى تنفرجي، فإن الشدة إذا تناهت انفرجت، فليس المراد حقيقة أمر الشدة بالاشتداد، بل طلب الفرج. يقال: إن الشدة إذا تتابعت انفرجت، وإذا توالت تولت.

والأزمة بفتح الهمزة وسكون الزاي وخفة الميم: سنة القحط. وقليل من يعلم أن هذه القصيدة المشهورة مسبوقة بقصيدة حجة الإسلام الغزالي -رحمه الله- (ت 505هـ) المعروفة بدعاء المنفرجة في ثمانية وخمسين بيتاً، مطلعها:

الشدّة أودت بالمهج ... يا رب فعجّل بالفرج

والأزمة زادت شدّتها ... يا أزمة علّك تنفرجي

غير أن قصيدة التوزري أسلس نظماً، وأخصب خيالاً، وأجمل إيقاعاً. ولشدة ولوعهم بهذه العبارة؛ فإن عدداً من الأدباء والفقهاء مثل الإمام الدَّميري في كتابه «النجم الوهاج» نسبها للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث موضوع لا يصح. والأصح أنه مَثَل، وأصله: «أن امرأة اسمها أزمة، أخذها الطّلق فقيل لها ذلك؛ أي: تصبّري يا أزمة حتى تنفرجي عن قريب بالوضع»، وفيه تنبيه على أنه لا بقاء للمحنة والمنحة في دار الدنيا الفانية.

 

Email