كارثة فوكوشيما تعود إلى الأضواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أخطر الحوادث النووية الإشعاعية التي شهدها العالم، من بعد حادثة تشرنوبل في أوكرانيا سنة 1986، تلك الكارثة التي وقعت في مفاعل فوكوشيما دايتشي الياباني في مارس 2011، كنتيجة لزلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر ضرب شرق البلاد وتسبب بدوره في حدوث موجات تسونامي قوية.

حيث ارتفعت الحرارة في الوحدات الأولى والثانية والثالثة من المفاعل، ما أدى إلى انصهار قلب المفاعل وانطلاق غاز الهيدروجين، مسبباً حدوث انفجار لم يؤدِ إلى وفيات. وهذا بطبيعة الحال يختلف عن كارثة تشرنوبل سواء لجهة الأسباب أو التداعيات أو الإصابات والأضرار، أو رقعة التلوث.

وعلى إثر ذلك صدرت الأوامر بإخلاء أولي لنطاق 3 كم من محيط المفاعل وشمل ذلك نقل 5800 مواطن يعيشون ضمنه. كما نصح السكان الذين يعيشون ضمن نطاق 10 كم من المفاعل أن يبقوا في منازلهم، وفي وقت لاحق شمل أمر الإخلاء جميع السكان ضمن نطاق الـ 10 كم.

ومما لا شك فيه أن جاهزية الدولة اليابانية وإمكاناتها المتطورة ساعدت كثيراً في التخفيف من الآثار الإشعاعية للكارثة، حيث أخليت مساحة 1100 كيلومتر مربع من سكانها مع نقل أكثر من 100 ألف مواطن إلى أماكن آمنة بنجاح. غير أن المسألة لم تنتهِ عند هذا الحد، لأن الكارثة أدت إلى ارتفاع الأصوات ضد بناء المحطات النووية للتزوّد بالكهرباء من جهة، وضد الحكومة لفشلها في تأمين المفاعل بصورة جيدة من جهة أخرى.

واليوم، وبعد مرور 12 عاماً على الحادثة، لا تزال مساحات كبيرة من أراضي فوكوشيما ملوثة بالنشاط الإشعاعي، على الرغم من الجهود الضخمة التي بذلتها الحكومة لتطهيرها، من تلك التي سمحت بعودة نحو ثلث السكان إلى مناطقهم، بعد أن تم تطهير المناطق السكنية والأراضي الزراعية من الجرعات الإشعاعية بنسبة 60 %. وبالتزامن ترتفع بعض الأصوات متسائلة عما إذا كان إنفاق المليارات من الدولارات من المال العام على محو آثار الكارثة يعد عملاً مجدياً؟

يقول الخبراء إن المشكلة التي حالت دون نجاح عملية التطهير بصورة كاملة خلال السنوات الفائتة هي أن العناصر المشعة طويلة العمر المنبعثة من الحادث تلتصق بجزيئات التربة بشكل قوي، وأن المصدر الرئيس للتعرض للإشعاع بالنسبة للناس ينبع من أشعة غاما المنبعثة من التربة والأرصفة والطرق والمباني الملوثة والنباتات والحيوانات والأسماك الصالحة للأكل. وهكذا فإن مسألة تطهير الأراضي والأجواء عملية معقدة جداً.

لقد كلفت عملية إزالة آثار الكارثة في فوكوشيما مليارات الدولارات، لكنها تسببت في الوقت نفسه في تعرض العمال المشاركين في العملية للإشعاع بشكل كبير، ناهيك عن أنها ولدت كميات هائلة من نفايات التربة المشعة. ومن ناحية أخرى، فإن العملية منحت إحساساً بالطمأنينة من أن جرعات الإشعاع تم تخفيضها.

إلا أن الإشعاع المنخفض أكثر خطورة مما قد يعتقد، طبقاً للعلماء المختصين الذين أفادوا أيضاً بأن معدلات الجرعات كانت منخفضة نسبياً في السنة الأولى للكارثة في العديد من مناطق فوكوشيما التي خضعت لعملية التطهير، وأنها انخفضت بشكل ملحوظ في السنوات اللاحقة.

وهو ما سمح بإعادة الأراضي الزراعية إلى الإنتاج بسرعة أكبر على الرغم من أن إزالة التربة السطحية أضرت بخصوبة الأرض.

ولكل هذه الأسباب، برزت آراء تتبنى فكرة أن الخيار الأفضل هو إعلان فوكوشيما منطقة محمية طبيعية، على أن تنفق الأموال المخصصة لإعادة تأهيلها على العائلات المتضررة من الكارثة وعلى ذوي من أصيبوا بالإشعاع إبان أعمال التطهير. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى ما حدث بعد تشرنوبل، حيث تم التخلي عن فكرة إزالة التلوث الإشعاعي بصورة واسعة النطاق لعدم جدواها، وبالتالي تم إخلاء مناطق واسعة لا تزال فارغة حتى اليوم.

ولعل ما جعل كارثة فوكوشيما تعود اليوم إلى الأضواء هو قرار طوكيو في أغسطس الماضي بالبدء في التخلص من حوالي 1.34 طن من المياه الملوثة المخزنة عبر تصريفها في المحيط الهادئ بعد معالجتها، بعد أن سمحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك، وهو ما أثار الذعر داخل اليابان وفي الدول المجاورة.

Email