جيزيل خوري.. اللقاء الأخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تصمت تستدعي الانتباه، وعندما تتحدث ينصت إليها الآخرون، موهبة فريدة.. مثقفة امتلكت ناصية الكلام في السياسة، ظلت طوال عمرها المهني تجوب العالم، بحثاً عن أبطال لبرامجها، لتقدم لنا الخبر والمعلومة وكشف المستور.

أتحدث عن الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، التي غابت أبدياً عن «المشهد» يوم الخامس عشر من أكتوبر 2023، لن يستطيع «الريموت» البحث «مع جيزيل».. إنه الصمت الأخير.

نبأ الرحيل ذكرني بزيارتها لي في مكتبي بمجلة «الأهرام» العربي.. كانت دردشة ثرية حول السياسة والثقافة والإعلام، تحدثت معي عن كل شيء في زهد، وكأنها كانت تستعد للرحيل.

تجولت بأسئلتي في مسيرتها المهنية والإنسانية، بدأت بسؤالي عن قدرتها على الاستمرار في الحياة بدون قلبها، وزوجها الكاتب الصحافي والمفكر اللبناني سمير قصير، الذي اغتيل في عام 2005؟.

أجابت وكأنها فراشة تحلق في السماء: الحياة أقوى من الموت، رغم أن صدمة رحيله جعلتني أتمنى الموت، وأفكر في الطريقة الأهون دون عذابات للأهل، لأنه لم يكن مجرد زوج، بل كان شيئاً مني مات، لم أعرف كيف أعيش بدونه، ولكن في لحظة اخترت فيها أن أعيش لسبب ما، لأدرك أن الإنسان عندما يختار الحياة كقرار، فإنها تأخذه ليعيش باعتبارها الأقوى من الموت.

وما أسعدني أن الناس لا يزالون يتذكرون قصير، ويعودون إليه، فأنا المرأة في حياة هذا الرجل، فهو من جعلني امرأة مختلفة، ودللني كثيراً، بل هو من خلق فيّ هذه المرأة، وجعلها حقيقة في الوجود.

لذلك تعلقت به كثيراً منذ أن تعرفت إليه وعمري 30 عاماً، أي وأنا في عز أنوثتي، ووصلت قصة حبي مع هذا الرجل العظيم إلى درجة الجنون، ويبدو أن القصص غير العادية، مثل قصة حبنا، تنتهى بسرعة. ولو قررت عمل كتاب يحمل قصتي مع سمير قصير، سيكون عنوانه «كيان واحد».

لاحظت أن سؤالي هذا قد جدد أحزانها، فقفزت بسؤال آخر ينعش ذاكرتها عن أول لقاء إعلامي لها مع شخصيات من مصر. بابتسامتها الطفولية قالت: كنت في بداية طريقي عام 1988، وطلب مني إجراء لقاء مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، عقب فوزه بجائزة نوبل، وقبل استلام الجائزة، خصوصاً أنه كان رافضاً ركوب الطائرة والذهاب لاستلام الجائزة، وأرسل بدلاً منه بناته الاثنتين.

هذا اللقاء كان صعباً جداً، خصوصاً أنني قرأت أعماله باللغة الفرنسية، لكنه كان مبتسماً، وأعطاني الثقة، وساعدني كثيراً أثناء اللقاء، وقد صورت معه بمكتبه بمؤسسة الأهرام، أيضاً هناك لقاء آخر مع يوسف شاهين، وكان بالفعل لقاء العمر. ولأنني أعرف أن طموحها المهني بلا حدود.. كنت حريصاً على سؤال حول فيمن تفكر في محاورتهم؟.

كنت أحلم قديماً بمحاورة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، ولكن بالطبع أحلم بمحاورة من يؤثرون في حياتنا، وفى مقدمهم الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي، والرئيس الفرنسي. حاولت أن أعرف رأيها في ثورة 30 يونيو، وهل نجحت في إعادة المسار مرة أخرى؟.

ردت بشكل قاطع وفاصل، مؤكدة أن ثورة 30 يونيو نجحت، وأحدثت تغييراً في المنطقة العربية، وليس في مصر وحدها، لأن ما يحدث في مصر يؤثر في كل العرب، لأنها دولة محورية.

كانت هذه الأسئلة جزءاً من دردشة لم تنتهِ، على وعد بأن نلتقي ثانية لاستكمال نقاشنا، لكنها أخلفت وعدها، ورحلت لتلتقي نصفها الآخر «سمير قصير».

Email