أقلام موجهة في الأزمات

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أوقات الشدائد والحروب والصراعات أوقات شديدة عصيبة، تختلط فيها الأمور على كثير من الناس، وتحتار عقولهم، وتتداخل المشاعر والعواطف، ويشتد التأثر بما يجري من كوارث وآلام وجراح، ولا ينبري لهذه الأزمات إلا القادة الحكماء الذين يبذلون جهودهم ويسعون للعلاج وإيجاد الحلول لإطفاء هذه الصراعات وإيقاف نزيف الدماء المتدفق.

ولذلك ففي مثل هذه الأوقات العصيبة تكثر الإشاعات والأقاويل، وتزدحم مواقع التواصل الاجتماعي على أشكالها وأنواعها بالتحليلات الفردية التي لا حصر لها عن الأحداث الساخنة، فهذا ينشر ويحلل، وذاك يخمن ويتكهن، وهذا يختلق ويشوه، وهذا يثير ويحرض، وفي مقابلهم من يعالج ويتصدى، وبالتأكيد يستغل أصحاب الأغراض هذه الظروف لمآربهم وأهدافهم، وتطل التنظيمات والأحزاب برؤوسها، وتكثر النداءات العشوائية لاستثارة العواطف تحت صور وأشكال عدة، وفي هذا الخضم يحتاج الإنسان إلى أن يتحلى بدرجة عالية من الوعي واليقظة والاتزان والحس الوطني، لئلا يقع ضحية لأي أقلام موجهة أو حملات ممنهجة أو نداءات محرضة.

إن الأحداث الساخنة التي تجري اليوم في فلسطين هي أحداث مؤلمة بكل المقاييس، ولا ينبغي أن تكون موضعاً للتوظيف والمتاجرة والاستغلال والاستقطاب، فهي أزمة إنسانية مؤلمة، وما يجري فيها يدمي القلوب، كما أن هذه الأزمة الكبيرة وما يحيط بها من ظروف ومستجدات ليست بأي حال موضعاً للتكهنات والتخمينات الاعتباطية التي تستهدف التجني على الدول والترويج لأحزاب وتنظيمات وممارسات عشوائية، إنها قضية في غاية التعقيد، ولها ثوابت لا يمكن التفريط فيها، وإيماناً بدورها وواجبها تسعى الدول العربية والإسلامية للتأكيد على هذه الثوابت وإيجاد مخرج لهذه الأزمة المشتعلة في الشرق الأوسط، وهو الواجب الملقى كذلك على عاتق المجتمع الدولي بأسره الذي يتوجب عليه إيجاد حل منصف وعادل لهذه القضية، وتكثيف الجهود لإيقاف التقتيل والتدمير الذي لا يفرق بين بريء ومذنب.

ولا تألو القيادة الحكيمة في دولة الإمارات جهداً في الحث على إرساء السلام وإطفاء الصراعات وحماية المدنيين عموماً، ودعم الأشقاء ومناصرة قضاياهم خصوصاً، وبالأخص القضية الفلسطينية التي طالما كانت على رأس الأولويات والاهتمامات، فقد سعت دولة الإمارات بشكل مستمر لإيجاد العلاج، وأكدت في المحافل الدولية على أهمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لقرارات مجلس الأمن، وسعت في الأزمة الأخيرة على كافة الأصعدة لإيقاف نزيف الدماء، والتواصل المكثف مع الأشقاء والأصدقاء من مختلف الدول للوصول إلى هذه الغاية الإنسانية، وأكدت في كلمتها في مجلس الأمن على أهمية الوقف الفوري للأعمال العدائية وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين، كما جددت تضامنها مع الشعب الفلسطيني ودعمه في الحصول على حقوقه غير القابلة للتصرف، وأطلقت مجتمعياً المبادرات الإنسانية لإغاثة أهل غزة ورفع المعاناة عنهم، ومنها الحملة الإغاثية «تراحم من أجل غزة» التي تهدف لتقديم المساعدات العاجلة لهم، في ظل ما يتعرضون له من ظروف إنسانية عصيبة، وقد لاقت هذه الحملة تفاعلاً مجتمعياً كبيراً.

إن أصحاب الأقلام والأصوات الموجهة هم أبعد ما يكونون عن خدمة قضايا الأمة، وأفعالهم وتحريضاتهم لا تجر إلا إلى شر ووبال، وهم لا ينظرون إلى أبعد من نافذتهم الضيقة التي يطلون منها، وهم من الأساس يسيرون في اتجاهات تخدم أجندات معينة توجههم، ويستغلون الأزمات والظروف التي تحدث هنا أو هناك للاستقطاب لأفكارهم وأجنداتهم وتنظيماتهم، ولذلك فهم يتعامون تماماً عن العقل والحكمة والموضوعية والمناصرة الحقيقية.

ولذلك فمما يتوجب على كل عاقل في أوقات الأزمات والصراعات الحذر من هذه الأصوات والأقلام الموجهة والمحرضة، والتنبه لما يبثونه من الإشاعات المغرضة، ومن جملتها الأخبار المفبركة المكذوبة، وكذلك ما يمارسونه من استقطاب نحو أفكارهم وتياراتهم وتلميع صور أحزاب وتنظيمات معينة، وبدلاً من ذلك فإن الواجب استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية ومن وسائل الإعلام والمؤسسات الموثوقة، وكذلك عدم الاغترار بالتحليلات الاعتباطية التي تلمع هذا التيار أو ذاك الحزب، وفي المقابل تعمل على تشويه الدول والنيل منها.

نسأل الله تعالى أن يوفق دولنا وقياداتنا، وأن يرفع الكرب عن أهل غزة، ويمن عليهم بالأمان والسلام.

Email