ينساه القيصر أو يتناساه

ت + ت - الحجم الطبيعي

نقلت الصحف الصادرة في الثالث من هذا الشهر صورة عن وكالة «رويترز» للأنباء، هي الأولى من نوعها في أوكرانيا على الإطلاق.

وكانت الصورة لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، وقد عقدوا اجتماعاً بكامل هيئتهم في العاصمة الأوكرانية كييف. وبقدر ما كانت الصورة لافتة بقدر ما كان تصريح دميترو كوليبا، وزير الخارجية الأوكراني، لافتاً أكثر قبل الاجتماع.

قال كوليبا إن هذا الاجتماع ينعقد لوزراء خارجية الاتحاد بصورته وحدوده الحالية في الخريطة، ولكنه أيضاً ينعقد داخل حدوده المستقبلية في الخريطة أيضاً.. ولهذا كلام معناه الكبير، لأنه يعني شيئاً واحداً، وهذا الشيء أن أوكرانيا ستلتحق عضواً بالاتحاد في المستقبل، ولا فارق بين أن يكون هذا المستقبل في الغد أو يكون بعد الغد.

وليس سراً أن روسيا تصاب بالجنون كلما سمعت حديثاً كهذا، فهي ترى أن التحاق الأوكرانيين بالاتحاد أمر يضر بالأمن القومي الروسي، وكثيراً ما حذر الروس من عواقب هذا الالتحاق، ولكن من الواضح أن تحذيرها يذهب سدى في كل مرة.

ولم يتوقف الموضوع عند حدود كوليبا، ولكنه تجاوزه إلى جوزيب كوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، الذي كان حاضراً، والذي قال كلاماً لا يختلف في معناه عن معنى كلام وزير الخارجية الأوكراني، ومن بين ما قاله على سبيل المثال، إن وزراء الخارجية الأوروبيين يلتقون في أوكرانيا العضو المستقبلي في التكتل.

ولكن السؤال يظل عن السبب الذي دفع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى الاجتماع في كييف بالذات، على الرغم من أنهم لم يفعلوها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، التي ستدخل عامها الثالث في الرابع والعشرين من فبراير المقبل إذا استمرت إلى هذا التاريخ؟

لماذا فعلوها هذه المرة ولم يفعلوها من قبل؟ ولماذا جاؤوا جميعاً إلى العاصمة الأوكرانية؟

طبعاً هناك سبب، ولا سبب سوى أن الاجتماع تزامن مع قرار من الكونغرس الأمريكي بالوقف المؤقت للمساعدات الأمريكية، التي تذهب إلى الأوكرانيين من دون توقف على مدى ما يقرب من السنة ونصف السنة منذ بدء الحرب!

فالأوروبيون على جوار مباشر مع أوكرانيا، ولكن الأمريكيين على مسافات طويلة للغاية منهم، وإذا كانت هناك أسباب تدعو الولايات المتحدة إلى دعم أوكرانيا، فإن لدى أوروبا أسباباً أقوى لتقديم الدعم نفسه، لأن ما يضر الأوروبيين من تداعيات الحرب يصل إليهم قبل غيرهم، ويجعلهم يسارعون إلى نجدة كييف وإلى تقديم كل ما يمكن تقديمه من دون تأخير.

وقد فهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذا التباين الأمريكي الأوروبي، أن الغرب منقسم في ما يخص مساعداته لأوكرانيا، فقال ما معناه إن روسيا تراهن على ملل الغرب من استمرار مد يد العون إلى الأوكرانيين!

ولكن ما ينساه بوتين أو يتناساه، أن الغرب لو أصيب بالملل، وهذا غير حاصل في ما يبدو أمامنا، فلن يمل الأوكرانيون أنفسهم، ولن يهنأ الروس بالإقامة في أي أرض أوكرانية، لأن الأوكرانيين استقلوا عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره في سنة 1991، ولا يتصورون أنفسهم تابعين له ولا لروسيا وريثته في أي وقت.

Email