من حكايات أهل الفن

قصة أغنية «وطني وصباي وأحلامي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

معظم الأغاني الوطنية المصرية تصاحبها عادة ألحان حماسية ركبت على كلمات هي في الواقع شعارات وجمل خطابية ودعائية، ربما باستثناء أغنية يتيمة يقال عنها وطنية فيما هي أغنية غزلية - إن صح التعبير - يغازل فيها كاتبها وطنه ويعبر من خلالها عن أحاسيسه الحقيقية الصادقة تجاه بلده.

هذه الأغنية، التي لا تذاع كثيراً ويقتصر بثها في مناسبات المحن والحروب، هي أغنية «وطني وصباي وأحلامي» التي يقول مطلعها:

وطـني وصبـاي وأحلامي

وطـني وهــواي وأيــامــي

ورضــا أمـي وحـنان أبـي

وخطـا ولـدي عنـد اللعــب

يـخــطــو بـرجــاءٍ بسـام

وطـني وصـباي وأحـلامي

هـتف التاريـخ به فـصحَـا

ومضى وثباً ومشى مرحاً

حـمـلت يــده شعـل النصر

وبـدا غــده أمـل الدهــر

غنتها الفنانة نجاة الصغيرة في مطلع الخمسينيات من خلال دويتو مع مطرب ناشئ ذي صوت رقيق هو عبد الرؤوف إسماعيل. وعلى خلاف نجاة التي لا حاجة لنا للحديث عنها باعتبارها أشهر من نار على علم، فإن عبد الرؤوف ظلم كثيراً وحورب من قبل مجايليه من مطربي زمنه، كما أن الإذاعة المصرية لم تحابه كما حابت غيره كعبد الحليم حافظ، وهو ما دفع صاحبنا إلى ترك مصر والذهاب إلى الكويت حيث عاش وعمل موجهاً فنياً أول للتربية الموسيقية في مدارسها إلى حين وفاته عام 2008، كما قام هناك بصناعة بعض الألحان لغيره وفي مقدمتهم حسين جاسم الذي غنى من ألحانه أغنية «يا إله الكون» وسعود راشد الذي غنى له «سادتي رقوا لقلب موجع»، ناهيك عن وضعه ألحاناً للعديد من المسرحيات والمسلسلات الكويتية مثل: «الصمت» و«إلى الشباب مع التحية» و«الجوهرة والصياد» و«حفلة على الخازوق» و«هالو دوللي».

والجدير بالذكر أنه، قبل رحيله عن مصر، غنى ولحن بعض الأغاني ومنها «جئت يا سلمى» مع فايدة كامل و«يا ترى انت مين» مع سعاد مكاوي، علاوة على أغان أداها بمفرده مثل: «انت نصيبي» و«بنات بحري» و«معرفش فين» و«يا حنينة يا أرضنا» و«يا منورين حينا» وغيرها، لكنها لم تلق رواجاً بسبب قلة بثها من الإذاعة المصرية، وبالتالي فإنه استمد شهرته فقط من «وطني وصباي وأحلامي»، فأطلق عليه ظلماً لقب «مطرب الأغنية الواحدة».

كتب عنه خيري شلبي في صحيفة «الوفد» المصرية (15/2/2011) فقال: «لا أحد يعرف كيف ظهر ولا أين ذهب ولا كيف اختفى تماماً من عالم الغناء، تاركاً فيه بصمة واحدة لا مراء في أصالتها، وفي أن صاحبها امتلك قدرة هائلة على الأداء المؤثر الحساس المرهف لم تتوفر لدى أي مطرب مصري قبله ولا بعده.

إنه صوت تعشقه الأذن فتحتفظ بتردداته، تحتضنها فيبقى على طول الزمان متميزاً محدد الملامح».

وفي المقال نفسه خالف كاتبه أولئك الذين يعتبرون «وطني وصباي وأحلامي» نشيداً فقال: «الأغنية تعبير عن مشاعر ذاتية تجد استجابة لدى ذوات الآخرين ابتداءً من المشاركين في تلحينها وعزف موسيقاها ومغنيها وصولاً إلى نسبة من الجماهير تكبر أو تصغر حسب ثراء أو فقر المشاعر التي تعبر عنها الأغنية، أما النشيد فإنه ترجمان لشعور جماهيري عام تجاه موقف قومي ما، يعبئ الجماهير بالحماسة».

كما اعترض الكاتب على من يطلقون توصيفات معينة على بعض الأغاني مثل «الوطنية» فقال: «ليس هناك أغنية وطنية وأخرى غير وطنية، إنما التسمية هذه نشأت ضمن تسميات كثيرة خاطئة لا ندري كيف شاعت واستقرت، من قبيل أن هذه أغنية شعبية وهذه عاطفية وهذه حماسية وما إلى ذلك، والرأي عندي أن كل هذه التصانيف يمكن أن تتوافر على أكمل وجه في الأغنية الواحدة، وهي على وجه التحديد الأغنية الناجحة».

في رأينا أن ما جعل «وطني وصباي وأحلامي» تلامس وجدان المستمع وتضاعف من حبه للوطن وتثير فيه الشعور بالواجب تجاهه، ليس فقط لحنها الصافي الحالم، ولا صوت مطربها المرهف، وإنما أيضاً كلماتها الشاعرية الجميلة التي نظمها شاعر هو الآخر ظلم كثيراً واسمه «أحمد مخيمر» (1914 ــ 1978). على الرغم من صدور 15 ديواناً شعرياً له بالإضافة إلى العديد من المسرحيات والملاحم الشعرية.

 

Email