كذب المنجمون ولو صدقوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوقات الشدائد والأزمات أوقات صعبة عسيرة، قد تختلط فيها بعض الأمور على بعض الناس، ما لم يتحل الإنسان بالصبر وقوة الإيمان وثبات النفس والبصيرة والعقلانية.

ومن هنا يستغل بعض الأدعياء المتاجرين مثل هذه الظروف لترويج أنفسهم منبئين للحوادث، فيرجمون بالغيب في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، مدعين أن حدثاً ما سيحدث هنا، وحدثاً ما سيحدث هناك.

وقد يتلو بعضهم قائمة عريضة من التنبؤات التي يزعم بل ويجزم بوقوعها في هذا البلد أو ذاك، أو في هذه السنة أو تلك، مدعياً وقوع أزمات اقتصادية واضطرابات سياسية وكوارث طبيعية، وغير ذلك من الأمور التي تمس حياة الناس ومجتمعاتهم ودولهم، لا عن علم وحجة وبرهان، بل عن تخرص وتخمين وتكهنات، مثيراً الذعر والفزع والاضطراب بين الناس.

إن مثل هذه الظاهرة التي تتمثل في ظهور هؤلاء الأدعياء الذين يستغلون ظروف الناس ومخاوفهم لتحقيق مكاسبهم الشخصية بين الفينة والأخرى جديرة بأن نحذر منها كل الحذر، ولو زخرفوا كلامهم بعبارات منمقة واستدلالات زائفة بالأبراج والنجوم وعلوم الطاقة والتستر خلف الألقاب العلمية وغيرها.

فإن ما ينشرونه من التكهنات لا تصنف إلا كأكاذيب وشائعات، لأنها لا تقوم على أي أساس علمي موثوق، ولو كانوا حقاً يمتلكون مثل هذه الخصيصة أو القدرات الخارقة لنفعوا أنفسهم، ولتنبؤوا بمستقبلهم، وجلبوا لأنفسهم كل ما ينفعهم، ودفعوا عن أنفسهم كل ما يضرهم، ولكنهم في الواقع لا يعلمون من ذلك شيئاً، كما قال الله سبحانه: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}.

ومن صور ذلك التخرص بحدوث الكوارث الطبيعية دون أي أساس علمي صحيح، لجذب انتباه الناس وتخويفهم وإثارة الذعر في المجتمعات، فإن الكوارث الطبيعية تقع بأمر الله تعالى لأسباب يقدرها وحكم يريدها، وقد تكون لبعضها علامات ومؤشرات تدل عليها وتنذر بها.

فيكون التحذير المبكر منها ممكناً وقائماً على علم وبرهان ورصد علمي للبيانات والمؤشرات من أهل الاختصاص والجهات المختصة بذلك، وليست قائمة على أساس التخرص والتخمين، مثل الأعاصير والبراكين ونحوها، وقد لا يكون لبعضها علامات ومؤشرات قبلية ظاهرة تدل عليها قبل حدوثها، فيكون حدوثها فجائياً، لا يمكن التنبؤ به فيما أوتي البشر حالياً من علم وتقنيات معاصرة، مثل الزلازل ونحوها.

كما بين ذلك الخبراء والمختصون، فيكون حينئذ ادعاء العلم بأماكن وأوقات وقوعها خارجاً عن نطاق العلم المدرك، وداخلاً في نطاق التخرص والادعاء الزائف، وللأسف يستغل البعض مخاوف الناس بنشر تنبؤات حول وقوع مثل هذه الكوارث ابتغاء الشهرة ولفت الانتباه، دون أي أساس علمي صحيح، فينطبق عليهم: كذب المنجمون ولو صدقوا، سواء كانوا يحملون ألقاباً علمية أو لا.

ومن صور ذلك كذلك ما يظهر بين الفينة والأخرى من شخصيات تدعي علمها بوقوع أحداث معينة في العالم، فتدعي أن ذلك البلد سيعاني من كذا، وذلك الرئيس سيحدث له كذا، وأن ذلك المجتمع ستعصف به أزمات سياسية وذاك أزمات اقتصادية، إلى غير ذلك من الادعاءات والتكهنات التي تدخل في نطاق التنجيم المباشر.

فإن كل ذلك لا أساس له في شرع أو عقل أو علم، وإنما هو قائم على استغلال فضول الناس ومخاوفهم من المجهول، والمنجمون عبر العصور يتفننون في سبك الأكاذيب والإشاعات، ولهم طرق كثيرة في ذلك، وهم في ذلك كله يتلاعبون بمشاعر الناس وعواطفهم، ويستثيرون فضولهم وشغفهم، ويستغلون حاجتهم للأمان والاستقرار النفسي، والاستماع إليهم لا يزيد الإنسان إلا ضرراً وهلعاً وتعلقاً بما لا ينفع في شيء، والأدهى أن يبني الإنسان على ذلك قناعات أو قرارات.

إن على الإنسان أن يسير على نهج إيماني عقلاني مستنير، فلا يسلم عقله إلى أهل التنجيم والتنبؤات الزائفة، موقناً بأنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، وأن وسائل الإدراك والرصد إنما تعتمد على العلم الصحيح القائم على الحجة والبرهان والدليل في أي مجال كان، وهكذا على صخور الإيمان والبرهان ينكسر زيف الزائفين وادعاءات المنجمين.

* كاتب إماراتي

Email