السرد الاستراتيجي.. زايد وتمكين التخطيط

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بريق تاريخنا الوطني يتألق القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كقامة استثنائية رسخت مبادئ التخطيط والقيادة المستدامة في قلوب شعبه.

من خلال ممارساته التي تمتزج بالحكمة والإبداع، استطاع أن يرسم خارطة نجاح تشتمل على مفاتيح التمكين والتطور.


«لا قيمة للمال إلا بالرجال»، هذا المبدأ الذي أكده الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يحث على أهمية العنصر البشري في تحقيق النجاح. حيث ارتكز تخطيطه على تطوير وتعزيز قدرات ومهارات الأفراد وتمكينهم للمساهمة الفعّالة في بناء المستقبل.


في ظل الظروف التي عاشها الشيخ زايد في الماضي، أثبتت تجارب الأجداد قدرتهم على تحقيق الإنجازات برغم قلة الموارد. هذه التجربة تجسّدت في مفهوم الإيمان وحب الوطن، وهو مفهوم اعتمده زايد لتحفيز جيله على تجاوز التحديات وتحقيق الريادة.


قال المؤسس الشيخ زايد: «لقد أصبح لدينا ثروة من المثقفين، وسيكون المجال مفتوحاً والفرص متاحة لكل من يعمل في سبيل تدعيم كيان الدولة وبنائها». من هذا القول يتجلى التوجه نحو تمكين الموارد البشرية كمحور أساسي في العمليات التخطيطية. إذ أدرك أن الأفكار والعقول تشكل ثروة لا تقدر بثمن، ومن هنا جاء تركيزه على دعم التعليم وتطوير القدرات البشرية لضمان تحقيق أهداف الدولة.


عندما نتطلع إلى التمكين بالجوانب المالية للتخطيط، نجد أن الشيخ زايد أبدع في توجيه الموارد المالية نحو تحقيق التطلعات الوطنية. أعلن عن تخصيص نسبة من دخل الميزانية السنوية في أبوظبي، لصالح الاتحاد، وأكد في هذا السياق: «إن أبوظبي أعلنت أنها سوف تسهم بنسبة 50 بالمئة من دخلها في الميزانية السنوية للاتحاد، إلا أنها مستعدة أن تسهم بالمزيد إذا تطلبت مصلحة الاتحاد ذلك. ونأمل أن تسهم الإمارات الأخرى بدورها في دعم الكيان الاتحادي بجميع مؤسساتها، ومنها المساهمة المالية وإن دخل أبوظبي هو دخل الاتحاد، وإن أبوظبي على استعداد لبذل المزيد لدعم الكيان الاتحادي»، هذا يظهر رؤيته الواقعية بتأسيس هذا الوطن في تحقيق الاستدامة المالية والاقتصادية.


في مسعاه للتطوير والنمو، أثبت الشيخ زايد، طيب الله ثراه، أن التمكين في التخطيط يعتمد أيضاً على مواجهة التحديات والمخاطر. قال: «إن الإنسان وهو يعمل تظهر له أشياء لم تكن موجودة وقت التخطيط، وإن الخطط توضع حسب ما يراه من أجل مصلحة الوطن، ودولة الإمارات مثل الإنسان الذي يقف تحت سفح جبل ويريد أن يصل إلى القمة، وقطع ثلث الجبل، لأنه في الصعود إلى القمة يقابل بوديان ومساحات من الأراضي عليه أن يجتازها بعد تعميرها ثم يواصل الصعود بعد ذلك. ولذلك فإن كل شيء يخطط له حسب الواقع».

هذا القول يجسّد رؤيته الاستبصارية والتفكير المستقبلي، حيث يدرك أن التخطيط لا يقتصر على المراحل الثابتة بل على الإنسان أن يكون مستعداً للتعامل مع التحولات والمفاجآت التي تظهر أثناء التنفيذ.


التمكين في التخطيط البيئي أيضاً كان له حضوره في رؤية الشيخ زايد. أظهر ذلك في اهتمامه بتوزيع البنية التحتية للقرى بشكل استراتيجي يتيح النمو المستدام لسكان القرى، وقد تمثلت هذه الرؤية في قوله: «يجب أن تقسم بيوت القرية المئة على جانبي الطريق العام، خمسون على كل جانب حتى يتوزع العمران، القرى متجاورة حسب المخطط، ولكن يجب أن تترك مسافة عشرة كيلومترات بين كل قرية وأخرى حتى يكون هناك خمسة كيلومترات لكل قرية لرعاية الإبل و الماشية»، هذا الإلمام بالتفاصيل والتخطيط المحكم يشير إلى وعيه البيئي المستقبلي لصالح الفرد أينما وجد بالدولة.


في نهاية المطاف، يتجلى السرد الاستراتيجي للأب زايد في تناغم مميز بين مختلف مجالات التخطيط. من خلال تمكين الإنسان وتوجيه الموارد ومواجهة التحديات، وصولاً إلى تفاصيل البنية التحتية، استطاع أن يخلق نموذجاً فريداً للقيادة الفعالة والتنمية المستدامة. هكذا تبقى مبادئه وأقواله خير إرشاد للأجيال القادمة، وقدوة تستمد منها العزيمة والحكمة.

Email