السرد الاستراتيجي.. زايد وعالم «فوكا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذا العالم المتزايد السرعة، حيث تتسارع وتيرة التغيير والتطور، يظل السرد الاستراتيجي للقادة الحكماء بمثابة منبع لا ينضب من الإلهام للجميع. ومن بين هؤلاء القادة الذين أبدعوا في فن القيادة الاستراتيجية والإدارة الحكيمة كان الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نموذجاً مشرقاً يستحق الاحتذاء. من خلال تطبيقه مبادئ التخطيط والتنظيم في مسيرة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، نستطيع أن نستخلص جوانب مبدعة عدة من ممارساته الإدارية التي تمثل أساس النجاح والتطور.

في هذا السياق ومن خلال نظريات القيادة والمفهوم الحديث في الإدارة «عالم فوكا»، الذي يشير إلى التقلب والغموض وعدم اليقين والتعقيد الديناميكي للعالم الحديث الذي نعيشه، بكل تقلباته، بكل تعقيد واضطراب، وبالرغم من هذه التحديات، فإن الشيخ زايد بإشرافه الحكيم ورؤيته المستقبلية، استطاع أن يقود ويدير ببصيرة، حيث كان ملهماً لمن حوله بقوة توجيهه، واضحاً في اتجاهاته وأهدافه، حتى في وجه تحدي هذا العالم الغامض الضبابي.

لم يكن التخطيط الاستراتيجي مجرد جزء من إدارته، بل كان محورها الأساسي. تمحور اهتمام القائد الشيخ زايد حول استخدام المعطيات الحالية كأساس لبناء مستقبل مستدام، إنه يثق بأن التخطيط الدقيق هو السبيل لتحقيق الأهداف المنشودة، ويعكس ذلك في قوله: «ونحن نوفر لهم المصانع لاكتساب الخبرة والتدريب، ونمنحهم فرصاً متساوية في العمل وكسب لقمة العيش، وما هذه المشروعات إلا الاحتياط الطبيعي بعد نفاد البترول؛ ففيها نقيم ما نواجه به المستقبل ويوفر الطعام للجميع». حتى في ظل هذه الأوضاع المعقدة، استطاع أن يضع خططاً دقيقة تواكب التغييرات المفاجئة وغير المتوقعة.

ولم يكتفِ الشيخ زايد بذلك، بل ركز بشكل كبير على بناء قيادة موثوقة وتمكينها في هذا العالم الغامض والمتغير، فهو كان يدرك جيداً أهمية القائد في مواجهة التحديات وصناعة التغيير. ومن هذا المنطلق، كان دائماً يدعم ويشجع القيادات المختلفة، ويؤكد دورها الرئيس في تحقيق التقدم والازدهار، قائلاً بثقة: «أنا واثق في قدراتكم وطاقاتكم لتحقيق هذه المهمة، وقد استطاع إخوانكم هنا في الداخل تحقيق نجاحات متعددة في شتي المجالات. لقد سبقتنا بعض الدول العربية في ميدان العمل الدبلوماسي بفضل جهود أبنائها، وهم إخوة وأشقاء لكم في اللغة والدم والتاريخ والمصير الواحد. ونحن هنا لا ينقصنا شيء، فالرجال هم الرجال في أي مكان، وأنا أريدكم أن تثقوا بأنفسكم وتعلموا جيداً أننا ندعمكم ونؤازركم بكل ما يؤدي إلى نجاحكم في مهمتكم». حينما يكون العالم معقداً ومتغيراً بشكل مستمر، تبقى القيادة المؤثرة والقوية هي المفتاح للتغلب على التحديات.

وكان استخدام الشيخ زايد، رحمة الله عليه، لنظام الرقابة أحد أسرار نجاحه في تحقيق التطوير والتحسين المستمر في هذا العالم المليء بالتعقيد والغموض. إن فعالية هذا النهج تأتي من خلال تحفيز تنفيذ القرارات لتصحيح أي انحراف وتحقيق التحسينات بشكل سريع وفعّال، وقد أوضح ذلك بقوله: «إن الشعب يثق في أنكم سوف تعطون الوطن ما يجب أن تعطوه، وهذا لن يتم إلا بمضاعفة جهودكم التي يحتاج إليها بلدكم». حتى في وجه التقلبات والتغيرات، استطاع تحويل نظام الرقابة إلى وسيلة لضمان الاستمرارية والتطوير.

في نهاية هذا السرد الاستراتيجي، نؤكد ريادة الشيخ زايد بوصفه قائداً استثنائي الحكمة والرؤية والتوجيه. من خلال تطبيقه المبدع لمبادئ التخطيط الإداري الفعّال وبناء قوة القيادات المؤثرة، نجح في تحقيق تطور شامل لدولة الإمارات. تظل ممارساته نموذجاً يستحق الاقتداء به لتحقيق النجاح والاستدامة في عالم مليء بالتحديات والفرص المتجددة، حتى في ظل تعقيدات هذا الزمان. تمكن الشيخ زايد من التأقلم مع عالم فوكا ومواجهة تحدياته بجرأة وإبداع. عبر توظيف استراتيجيات مبتكرة وقيادة فعّالة، نجح في بناء دولة مزدهرة ومستدامة في وجه هذه الظروف الصعبة.

Email