مقومات الطالب المثالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحياة المدرسية هي فترة مؤقتة من عمر الإنسان، سرعان ما تنقضي مع مرور السنين، ولكنها تمثل محطة حيوية وجوهرية في حياته، يزرع فيها بذور مستقبله المزهر، وهي باختصار محطة عمرية يتفرغ الإنسان فيها لبناء نفسه بناءً متكاملاً، ليس على مستوى التحصيل العلمي فقط، بل على كافة المستويات، بما في ذلك المستوى القيمي والوجداني والسلوكي وتنمية المهارات الاجتماعية وغيرها، ليكون هذا البناء الذاتي المتكامل إحدى أهم مسؤولياته في هذه المرحلة، بما يساعده لاحقاً على أن يكون عضواً فعالاً في مجتمعه ووطنه، متحملاً كامل مسؤولياته، نافعاً لنفسه ولأسرته.

إن الطالب المثالي يستحضر حقيقة هذه المرحلة من عمره، وأهدافها، وأولوياتها، وما يجب عليه أن يفعله لبلوغ أقصى درجات الأهداف والغايات فيها، وذلك ينبثق من بصيرة نافذة وبعد نظر وقناعة ذاتية يتحلى بها، فهو يؤمن بأهمية ذهابه للمدرسة وحصوله على التعليم، ويعتبر ذلك بالنسبة له فرصة ثمينة يستثمرها بشغف وحماس، ولا يتعامل معها كعبء يمارسه قهراً وإجباراً، فرحلته منذ دخول بوابة المدرسة وإلى لحظة الخروج منها، رحلة هادفة مفعمة بالحيوية والنشاط، فيكون ذهابه لهذا الصرح التعليمي عن رغبة واقتناع، وتعلمه عن حب وشغف، ولا شك بأن تحقيق التعلم بحب مسؤولية مشتركة كما يشير إلى ذلك التربويون، يشارك الطلاب فيها جنباً إلى جنباً الآباء والمعلمون، بالمدح والثناء والتعزيز الإيجابي والتقويم البناء، حتى يصبح حب التعلم متجذراً في نفس الطالب، ينعكس ذلك في ابتهاجه وسعادته وفضوله ورغبته في تعلم المزيد.

ومن سمات الطالب المثالي التحلي بروح المسؤولية والانضباط الذاتي، والالتزام بالعادات الإيجابية التي تعينه على النشاط والحيوية كالنوم المبكر وغيره، وتعويد نفسه على ذلك، فإن النفس تسير حسب ما يعودها عليه صاحبها، فإذا اعتادت على شيء طبعت عليه، والطالب المثالي يعزز عاداته الحسنة، ويغير من عاداته السيئة، وتغيير العادة السيئة وإن كان يحتاج في البداية إلى مكابدة وعناء، فإنه يصبح مع الأيام أمراً سهلاً ميسوراً، حتى تستقر في النفس العادة الإيجابية الجديدة، ولذلك حث القرآن الكريم على تزكية النفس، بتعويدها على الفضائل الحميدة والعادات الحسنة.

ومن أهم مقومات الطالب المثالي تقدير نعمة الوقت، فوقت الإنسان هو عمره، ولذلك ينبغي أن يحرص الطالب على حسن استثماره، عبر تنظيم الوقت وتوزيع المهام، بما في ذلك أوقات الترفيه والاستجمام، والتي هي محطات راحة بعد تعب، ومكافأة بعد إنجاز، ورفع همة قبل الكد والجد، لتصبح في النهاية محطات محددة دافعة للإنجاز والاجتهاد، لا أن تتحول أوقات الترفيه إلى ثقوب سوداء واسعة، تبتلع أوقاتنا وأعمارنا، فيمضي يومنا هدراً دون أن نؤدي واجباتنا ونحرز تقدماً في حياتنا.

وإذا كان من أهم أهداف الطالب المثالي التحصيل العلمي بتفوق وتميز فإن عليه اتباع الوسائل الفعالة التي تعينه على الإلمام بالمواد الدراسية بكفاءة، وتعينه على التعلم العميق بجهد ووقت أقل، مثل الملخصات، والخرائط الذهنية، والبحث وغير ذلك، ومن أهم ما يحتاجه في ذلك استثمار العواطف، فبحسب بعض التربويين ترتبط العواطف بشكل حاسم بالتعليم، فإن مشاعر مثل الاهتمام والإثارة والإعجاب والسخط وغيرها لا ترتبط فقط بموقفنا في السياق المادي والمرئي فقط، بل تشمل كذلك مشاعرنا تجاه المعلومات والأفكار المجردة، حتى في المواد الجافة عاطفياً مثل الرياضيات أو الفيزياء فإن الفهم العميق لها يعتمد على إقامة روابط عاطفية مع المفاهيم، فقد وجدت إحدى الدراسات التي استخدمت التصوير بالرنين المغناطيسي أن الرؤية الجمالية للمعادلات والصياغات لها تأثير في النشاط الدماغي، فالعينة التي رأت المعادلات بأنها جميلة وذات صياغة أنيقة بدلاً من كونها بغيضة وغريبة كانت مناطقها الدماغية الحسية والعاطفية نشيطة كنشاطها أثناء تجارب الجمال الإدراكي كما يحدث عند الإعجاب بلوحة فنية، ما يساعد الإنسان على ترسيخ المعلومات وتعميق فهمها.

والطالب المثالي كذلك هو نموذج في سلوكه الحضاري مع معلميه وزملائه، وقدوة في أقواله وأفعاله، يعامل الآخرين باحترام، ويتحلى بالتعاون والتفاعل وحب الخير للجميع.

وأخيراً فإني أغتنم هذه المناسبة لأهنئ أبنائي وبناتي الطلبة بعامهم الدراسي الجديد، متمنياً لهم كل التوفيق والتميز والنجاح.

 

Email