الاعتقاد السائد هو أن التسامح والتعصب متضادان على مسار متصل أوله التسامح وعلى طرفه الآخر التعصب أو عدم التسامح، بيد أن الاثنين متناظران أو متشابكان، ولا يمكن فهمهما على أنهما نقيضان فحسب.

والسبب في إثارة هذا الموضوع، المهم في ذاته أصلاً، ما تمخَّض عنه التصويت الأخير حين تقدمت منظمة التعاون الإسلامي بمشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان ضد الكراهية الدينية بعد حادثة حرق القرآن الكريم في السويد.

ورغم أن المجلس أقر مشروع القرار والذي نص—حسب وكالة أنباء الإمارات «وام»— «أن حرق القرآن الكريم أو أي كتاب مقدس آخر عمداً وعلنا بقصد التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، هو عمل استفزازي واضح ومظهر من مظاهر الكراهية الدينية». إلا أن اللافت أن هناك دولاً كبرى، مثل: بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا صوتت ضد المشروع والذي يدين الكراهية تجاه الأديان.

لا شك أن الدول الأوروبية صوتت ضد القرار ليس كرهاً في الأديان ولكن التسامح مع التعصب ضد الدين الإسلامي هو السبب. وهنا يلتقي التعصب والتسامح. كما أن الدول التي صوتت لصالح القرار كان لحماية التسامح الديني ضد التعصب الديني والذي أدّى إلى حرق كتاب مقدس عند أمة كبيرة من البشرية لها حضارة أثرت ولا تزال في التاريخ.

وفي هذا الصدد كتب الفيلسوف النمساوي كارل بوبر (1902-1994) حول «مفارقة التسامح». ويذكر أن المجتمعات المتسامحة تواجه معضلة حقيقية حول التسامح تجاه التعصب. وتقول إحدى المصادر حول هذا الموضوع إنَّ بوبر يجادل بأنه إذا كانت المجتمعات متسامحة دون أي حدود فإنها معرضة في الأخير لأن تصبح مجتمعات غير متسامحة إذا ما تغلبت القوى المتعصبة عليها.

ولتحافظ المجتمعات على تسامحها عليها أن تنخرط في التناقض الحتمي بأن تكون غير متسامحة مع التعصب أو عدم التسامح.

ولعل صعود الحركات الفاشية في أوروبا في فترة ما بين الحربين أثر على نمط تفكير بوبر في عدم التسامح نحو اللاتسامح أو التعصب. وفي هذا السياق يقول بوبر إن الشعب الألماني سمح لزعيم مثل هتلر أن يصعد للحكم والقيام بأفعال شنيعة. فالتسامح نحو عدم التسامح يولد مجتمعاً غير متسامح كما حصل في ألمانيا.

وهنا تتجلى العلاقة بين التسامح والتعصب. فالتعصب للتسامح يفضي إلى استمرارية المجتمع المتسامح، بينما التسامح تجاه التعصب قد يقضي على المجتمع المتسامح. وتموج هذه الأيام في أوروبا حركات شعبوية تتخذ من المهاجرين ذريعة لتعبئة الشارع وكسب أصواتهم.

والخطورة تكمن في أن الليبرالية الغربية تتسامح مع كثير من المتعصبين باسم حرية التعبير—وخاصة الموجهة ضد المسلمين. ولكنْ هذا التَّوجه له عواقب وخيمة على المجتمعات الأوروبية بشكل عام.