جناية العنصريين على العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلق الله البشر مختلفين في أعراقهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم، لا فرق بينهم عند الله تعالى إلا بالتقوى، فكلهم لآدم وآدم من تراب، ولذلك يجدر بهم أن يتعايشوا في ما بينهم على هذه الأرض في سلام واستقرار وتفاهم، من دون أن يعتدي أحد على أحد، أو يسيء أحد إلى أحد، ولا يعني ذلك بحال إلغاء حق الإنسان في الاختلاف مع الآخر، وإلغاء مشاعره من حب أو كره، وتكميم لسانه أو تكبيل قلمه عن النقد البنَّاء بالأسلوب الحكيم الأمثل، القائم على العلم والبرهان، لا على التحقير والامتهان، وإنما المراد المعاملة الحسنة، واستخدام الكلمة الطيبة، وملازمة الفعل الحضاري الراقي، في التعامل مع البشر جميعاً على اختلاف مشاربهم وأجناسهم.

ومن أخطر الأمراض التي تهدد التعايش والاستقرار في المجتمعات العنصرية، أن يتعصب الإنسان تعصباً أعمى لعرقه أو جنسه أو معتقداته وفكره، تعصباً يقوده إلى التكبر والاستعلاء والفوقية، ورفض ما عند الغير جملةً وتفصيلاً، والنظر إلى الآخرين نظرة استحقار وازدراء، والسخرية منهم، والاستهزاء بهم، والإساءة إليهم، فليس عنده نقد موزون، أو اختلاف معتدل، أو مناقشة هادئة، أو استفسار عاقل، بل سلاحه الوحيد السب والشتم والإساءة والاستفزاز والإهانة، فغرضه إيلام الآخر، وتحقيره لا تنويره، والأخطر أن يُغلَّف ذلك بأغلفة أيديولوجية متطرفة أو أقنعة علمية زائفة، كفكرة وجود أجناس بشرية بيولوجية أرقى من غيرها، أو نظريات اجتماعية متطرفة تروج للصراعات وتفوُّق أجناس على أجناس، أو شرعنة ذلك تحت ستار حرية التعبير والكيل في ذلك بمكاييل مختلفة بحسب المصالح والأهواء.

لقد غرست العنصرية مخالبها وأنيابها الدامية في البشرية عبر التاريخ، واستُعمل ذلك مبرراً لاحتلال الشعوب، كما جرى في عصر الاستعمار الأوروبي في القرن السادس عشر وما بعده، وكان المستعمرون ينظرون إلى الشعوب المحتلة أنهم همجيون متوحشون، وانتزعوا منهم حقوقهم وصادروا أراضيهم، بل استعبدوا الملايين منهم، وعاملوهم أسوأ معاملة، كما عانت دول ومجتمعات عدة من العنصرية في القرن الماضي، فخضعت بعض البلدان لنظام الفصل العنصري، فتم الفصل بين السود والبيض في الحافلات والقطارات بل حتى على مقاعد المتنزهات، كما اشتعلت في بعض البلدان صراعات عرقية وطائفية مريرة، قُتل بسببها الآلاف وشُرد الملايين من البشر، كما أن الكثيرين في العالم إلى يومنا هذا يعانون من العنصرية التي تمارس ضدهم من قبل أفراد آخرين يسيئون إليهم بالقول أو الفعل.

ومن صور ذلك العنصرية الخفية التي تكرس صورة نمطية مسيئة إلى الأجناس والأعراق في وسائل الإعلام والترفيه كالصحف والجرائد وشاشات السينما والأفلام والقصص وغيرها، وقد رأينا كيف سُخرت هذه الأدوات وخاصة في السنوات الماضية في التحيز العنصري ضد العرب ورسم صورة مشوهة عنهم في بعض الوسائل الغربية، وها هي بعض الأحزاب الغربية المتطرفة اليوم تغذي روح الكراهية ضد المسلمين ومعاداة الإسلام، ونرى بين الفترة والأخرى في بعض تلك البلدان حوادث حرق المصاحف وإهانتها على يد ثلة غاشمة من المتطرفين بما يؤلم ملايين المسلمين والعقلاء حول العالم، والأدهى أن يشرعن ذلك ويغلف بغلاف حرية التعبير، فتصبح الإساءة إلى الآخرين حقاً مشروعاً، ليضاف إلى حجج العنصريين بجانب تلك الادعاءات البيولوجية العنصرية والنظريات الاجتماعية المتطرفة المبادئ المنحرفة والمفاهيم المغلوطة لحقوق الإنسان، وهكذا تبحث العنصرية في كل زمان عن أبواب تتسلل منها لإرواء ظمأ المتطرفين بحسب شعارات العصر وخطاباته السائدة.

إن العالم اليوم وفي كل زمان ومكان أحوج ما يكون إلى أن يسعى بكل وسيلة إلى مكافحة هذه الآفة الخطيرة، وهي العنصرية، بجميع صورها وأشكالها، منعاً للصدامات والصراعات والإساءات، وأن يسن الأنظمة والقوانين التي تصب في خدمة الاستقرار والسلام العالميين، ومنع كافة أنواع الاستفزاز للمجتمعات والشعوب.

وقد اعتنت دولة الإمارات عناية كبيرة بمكافحة خطابات التمييز والكراهية والإساءة للآخرين، وسنت القوانين التي تكبح جماح العنصرية والطائفية والتطرف، حتى أضحت بفضل الله تعالى نموذجاً مشرقاً للوئام والسلام، وواحة مزهرة للتعايش السلمي بين مختلف من يعيش على أرضها، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، والذين يتعايشون معاً في وئام وسلام وانسجام.

 

Email