«مؤتمر روما».. المطلوب لرفع التحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح من البديهي أن مشكلة الهجرة غير الشرعية ليست شأناً يهم كل دولة بصفة منفردة ولا تحل تبعاً لذلك وطنياً أو في إطار ضيق من العلاقات الثنائية، بل إن إيجاد الحلول لها يكون في إطار متعدد الأطراف يلزم أكثر من دولة ومجموعة وهيئة دولية.

ولتأكيد هذه المعاني استضافت العاصمة الإيطالية روما يوم الأحد 23 يوليو 2023 مؤتمراً دولياً حول التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية بمشاركة سامية من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، ومن الرئيس التونسي، قيس سعيد ومن رؤساء دول وحكومات أغلب منطقة البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى ممثلي صناديق التنمية العربية ومنظمات مالية دولية ومسؤولين في دول أوروبية وأفريقية ومن الاتحاد الأوروبي، وترأست المؤتمر رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني.

واتّحدت آراء المشاركين في مؤتمر روما حول فكرة أساسية وهي، أن الحلول لمشكلة الهجرة غير الشرعية لابد من بحثها بصفة مشتركة، وأن «هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة شاملة تقوم على التنمية والاستقرار بشكل رئيسي لأن التنمية تجلب الاستقرار والسلام.. سواء داخل المجتمعات أم على المستوى الدولي» مثلما شدد على ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

وأضاف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد «إن التعامل مع حالات النزوح، من لجوءٍ أو هجرة، يتطلب تعزيز الجهود المشتركة لمعالجة المسببات الرئيسية عبر جهود تنموية شاملة وتعاون وثيق بين جميع الدول المتأثرة والتي تشمل دول المصدر والعبور والدول المستضيفة للاجئين والمهاجرين، إضافة إلى دعم الأجهزة والمبادرات الأممية والإقليمية للبناء على ما تم تحقيقه سابقاً في مواجهة هذه التحديات».

وفي السياق ذاته، جدد الرئيس التونسي في كلمته مواقفه المعلومة بضرورة «وضع حد لظاهرة الهجرة غير الإنسانية والقضاء على أسبابها العميقة والتصدي للشبكات الإحرامية التي تقف وراءها وتتاجر بالبشر وبأعضاء البشر»، مضيفاً إن «تونس لن تقبل بالتوطين المبطن للمهاجرين غير النظاميين ولن تكون ممراً أو مستقراً للخارجين عن القانون».

رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني صاحبة مبادرة تنظيم مؤتمر روما، أعلنت بوضوح أن «التصدي للهجرة غير الشرعية يتطلب دعم التنمية في بلدان المنشأ، وتكثيف التعاون الاقتصادي والأمني والقضائي معها».

وأكدت ميلوني أن الهجرة حق لا يمكن تقييده ومنعه ولكن المطلوب تنظيمه... لأن القضاء على الهجرة غير الشرعية يستوجب تقديم فرص جديدة للهجرة المنظمة، ومضيفة إن «الرابح هم شبكات الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة الذين يوجهون عملهم ضد الدول».

الموقف الإيطالي يختلف مع الموقف في فرنسا التي غابت عن مؤتمر روما، فقد أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون في حديث تلفزيوني أول أمس الاثنين، أن المطلوب من أجل التصدي للهجرة غير الشرعية، تنظيم الهجرة واستيعاب المهاجرين وتغيير القوانين من أجل حماية أكبر للحدود «وغابت عن الحلول التي قدمها الرئيس الفرنسي» ضرورة بذل المجهود لتثبيت المهاجرين في أرض المنشأ بالمساهمة في المجهود التنموي، وبدا من الواضح أن كلام ماكرون موجه إلى الداخل الفرنسي لا غير، وهو موقف يعتبر الهجرة غير الشرعية «انحرافاً» بقطع النظر عن الأسباب.

ويتجه الرأي أيضاً إلى أن تعاظم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وإن كانت أسبابها اقتصادية واجتماعية وسياسية في دول المنشأ، فإن بعض الجماعات الحقوقية وتلك المناهضة لمنظومة الدول الليبرالية وظفت ظاهرة المآسي الاجتماعية المترتبة عن الأزمات الاقتصادية المزمنة في دول المنشأ لتغذية هذه الهجرة غير الشرعية ليقينها التام أنها تساهم في تقويض أسس المجتمعات في أوروبا والعالم الليبرالي عموماً.

وتفيد المعطيات والتقديرات أن بعض هذه الجماعات الحقوقية وجدت نفسها في التقاء موضوعي ومصلحي مع شبكات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، إن كان ذلك عن وعي أو بغيره.

«إن ظاهرة الهجرة هي مؤلمة للجميع» كما أكدت جورجيا ميلوني، ولكن معالجتها تستوجب توفر إرادة حقيقية لدى كل الدول والأطراف لرفع هذا التحدي الكبير الذي يواجه الإنسانية، ورفع هذا التحدي مدخله الأساسي بناء رصيد من الثقة بين مختلف الدول والمجتمعات، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قال بهذا الخصوص إن المؤتمر يؤكد «رغبة دولنا في تعزيز التعاون والتكامل والعمل المشترك بشأن قضية دولية على درجة كبيرة من الأهمية والحساسية وهي قضية الهجرة غير النظامية بما يخدم تطلعات الشعوب نحو الاستقرار والتنمية والازدهار».

 

Email