ولكن الألمان لهم رأي آخر في القضية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما نتابعه يتضح لنا أن الدول الأوروبية ليست سواء بشأن قضية الهجرة غير المشروعة، لأن ما تتحدث عنه ألمانيا مثلاً في القضية لا تقوله إيطاليا ولا بالطبع تفعله.

ذلك أننا تابعنا رئيسة الوزراء الإيطالية وهي تزور تونس برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية، ومعهما رئيس وزراء هولندا، وهناك كان الثلاثة يطلبون من الرئيس التونسي قيس سعيد ضبط الحدود التونسية حتى لا يتسلل منها المهاجرون إلى أوروبا بطريقة غير مشروعة.

ولكن الرئيس سعيد كان واضحاً بما يكفي في التعبير عن رأيه في القضية كلها، فقال إنه لن يعمل حارس حدود بالنسبة للقارة الأوروبية، وإنه لن يقبل بتوطين المهاجرين في بلاده.

وهكذا يتبين لنا أن المهاجرين غير الشرعيين لا يزالون يتوافدون من القارة السمراء إلى تونس، وأنهم يريدونها معبراً إلى الشاطئ الآخر من البحر المتوسط، وأن هذا يؤرق الأوروبيين كثيراً، وبالذات الدول التي تقع في جنوب القارة على الشاطئ الشمالي للبحر. كان هذا هو السبب الذي جعل المسؤولين الأوروبيين الثلاثة يسارعون إلى قصر قرطاج في تونس، لعل الرئيس قيس سعيد يجد حلاً، ولعله يسعفهم بما يراه ويستطيعه على أرض بلاده.

ولكنه لم يشأ أن يخدعهم، ولا أراد أن يقول لهم كلاماً لا يؤدي إلى حل المشكلة، وإنما وضع أمامهم الحقيقة في الموضوع كما تبدو أمامه دون تزويق.

ولكن الألمان في المقابل لهم رأي آخر في الموضوع، وهذا الرأي نستطيع أن نتبينه مرة بشكل نظري من خلال ما سوف نتوقف عنده حالاً، ومرةً أخرى بشكل عملي من خلال ما كانت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل تمارسه من سياسات في قضية الهجرة عندما كانت في دار المستشارية.

وقتها كانت ترحب بالمهاجرين إلى بلدها، وكانت تستقبلهم وترحب بهم، وكانت تدعو أوروبا إلى ذلك، وقد وصل الأمر إلى حد أن مهاجرين في ألمانيا أطلقوا اسمها على أبنائهم، اعترافاً من جانبهم بما كان لها من فضل عليهم.

وكان الظن في البداية أن موقفها راجع إلى أسباب إنسانية في الأساس، وأنها تعطف على كل مهاجر، ولكن تبين لاحقاً أن الأمر عندها كان له أساس عملي مجرد، وأن بلادها كانت ولا تزال في حاجة إلى مهاجرين يعملون على أرضها بسبب خلل تجده ألمانيا في تركيبتها السكانية.

هذا ما سوف نفهمه مما قاله موريتس شولاريك، رئيس معهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي، وما قالته أيضاً مونيكا شينيستر، عضو لجنة حكماء الاقتصاد في ألمانيا.

قال رئيس المعهد في تصريحات منشورة له في صحيفة «راينشه بوست» الألمانية الصادرة صباح السبت 8 من شهر يوليو الجاري، إن بلاده بحاجة إلى مليون مهاجر لمواجهة النقص في العمال المهرة، وأيضاً مواجهة خلل التركيبة السكانية في البلاد. وقالت عضو لجنة الحكماء في تصريحات منشورة لها في صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» قبل تصريح موريتس بخمسة أيام، إن ألمانيا بحاجة إلى مليون ونصف المليون مهاجر لمواجهة الهجرات من جانب المواطنين الألمان، والتي وصلت إلى 400 ألف مهاجر في السنة.

وفي الحالتين نرى أن الألمان يواجهون مشكلة، وأن أحد أسبابها ما طرأ من تغير على التركيبة السكانية فجعل عدد صغار السن أقل، وعدد كبار السن في المقابل أعلى.

والقضية ليست وليدة اليوم، ولكنها موجودة من أيام المستشارة ميركل التي بقيت في الحكم 16 سنة، كانت خلالها أقدر على أن ترى هذا الخلل، وأن تفكر في طريقة تواجه بها خلل السكان، وأن ترى في المهاجرين حلاً للمشكلة فتفتح الأبواب أمامهم.

ولا مجال بالتالي للحديث عن أسباب إنسانية في موقفها الذي لم يكن له مثيل في أوروبا، لأنه كان سياسياً خالصاً ولم يكن له علاقة بالإنسانية، فالدول لا تضع العامل الإنساني في الاعتبار وهي تقيم علاقاتها مع بعضها البعض.

هذا ما نستطيع أن نراه واضحاً أمامنا في عصرنا، وهذا أيضاً ما ينفي الظن الإنساني في السياسة التي اتبعتها المستشارة ميركل، عندما فتحت أبواب بلادها أمام أفواج من المهاجرين، فاستوقف ذلك كثيرين في بلادها وحول العالم، ثم سرعان ما تبينت لنا حقيقة السبب.

 

Email