السرد الإستراتيجي للمؤسس «تحليل الفجوة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُعتبر تحليل الفجوة أداة هامة ومحورية في عملية التفكير والتخطيط لتأسيس الدول والمؤسسات الكبرى، سواء كانت ذات طابع كبير أو متوسط أو صغير. يُساعد في تحديد الأولويات ووضع الاستراتيجيات والسياسات اللازمة للتغلب على التحديات وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة. 

عندما نعود أدراج السنين، ونستذكر الحالة السابقة لدولة الإمارات قبل الاتحاد، نجد أن المنطقة كانت جغرافياً كل إمارة مستقلة، كل منها كان يتمتع بحكم محدود وبنية اقتصادية ضعيفة، نستخلص التحدي الكبير الذي كان  أمام القائد المؤسس الشيخ زايد،رحمه الله، سواء من أجل تحقيق التوافق والتعاون بين الإمارات المختلفة أو لتحقيق التقدم الكبير الذي نشهده في وقتنا الحاضر. نستشعر جهوده المضنية من حوار ومفاوضات، ومعالجة الفجوات المتعددة لتطوير القطاعات المختلفة لنصل لما نحن عليه في دولة مزدهرة ومتقدمة ونستوعب لماذا يدعونا الوالد الباني لفهم الماضي لندرك الحاضر ونصنع المستقبل حيث قال: «إن الإنسان الذي لا يعرف ماضيه وكيف عاش وتعب أهله، لا يعرف الطريق إلى حاضره، أما إذا عرف ماضيه فإنه يستطيع أن يسلك الطريق والاتجاه السليم».

كانت الفجوة الرئيسية التي ركز عليها،طيب الله ثراه، في تأسيس الدولة هي الفجوة الاقتصادية. حينها، كان اقتصاد الإمارات يعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز الطبيعي، وكانت الحاجة ملحة لتنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات أخرى. وعليه عمل الشيخ زايد على تحقيق هذا الهدف من خلال استثمار جزء من ثروات النفط في تطوير البنية التحتية للبلاد، وتنمية قطاعات أخرى مثل السياحة والتجارة والصناعة. كما جاء في ممارسته: «إننا نرغب في تنفيذ خطة التنمية التي بدأناها منذ سنوات، وهذه الخطة تحتاج بالطبع إلى المال الذي يأتي إلينا من عائدات النفط، إلا أننا لا نريد زيادة إنتاجنا من البترول إلا بالقدر المعقول». وممارسته بالقول: «إن هناك مشاريع كثيرة في مجالات الصناعة والزراعة والميادين الأخرى حتى تكون بديلاً عن البترول». 

بالإضافة إلى الفجوة الاقتصادية، واجه الشيخ زايد تحديات في مجال التعليم والصحة والبنية التحتية. وعمل على توفير فرص التعليم للجميع وتطوير المستشفيات والمرافق الصحية. وكان يحدد الأولويات بقناعة وتشخيص دقيق كما يتبين في ممارسته: «علينا أن نعرف الأولويات وننظر إلى متطلبات شعبنا كلها إذ إننا لا نستطيع أن نقول: إن الصحة أفضل من التعليم. أو إن التعليم أفضل من الصحة ولا يمكن أن نهمل قطاع الصحة على حساب الاهتمام بقطاع التعليم، وعلينا أن نسعى إلى إقامة المستشفى، وإقامة المدرسة، فلمن نبني المدارس إذا كان الشخص عليلاً؟ 

استدامة 

أما عن الجوانب السياسية، فقد ركز اهتمامه على تحليل الهياكل الحكومية القائمة وتحديد الإصلاحات اللازمة لبناء نظام سياسي فعال ومستدام. ويشمل ذلك البحث عن وسائل لضمان الشفافية والمساءلة وحماية حقوق الإنسان، ويلزم المعنيين بذلك حيث يؤكد: «يجب على المجلس الوطني التعاون مع الحكومة من أجل خدمة الوطن والمواطن وإعطاء الأولوية للقضايا التي تهم المواطنين، وتوفير الحياة الكريمة لهم».

وبشأن تحليل الفجوات الاجتماعية والثقافية في المجتمع وتقييم التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، سعى الوالد المؤسس إلى ضمان التنمية المستدامة وتعزيز التعايش السلمي والتعددية في الدولة الناشئة. فيؤكد على الجميع: «إن الشخص الذي يرعى المصلحة العامة وخدمة المجموع سوف يجد مني ومن الحكومة كل تشجيع ومساندة؛ لأن مثل هذا الشخص جند نفسه بنفسه واعتنى بمصالح الآخرين».

يشهد العالم أن نهج التحليل الدقيق للفجوة والتركيز على الأولويات الحاسمة الذي سلكه الشيخ زايد، كان السبيل الأمثل لبناء الدولة الوطنية الحديثة. يعكس القدرة البشرية على تحويل التحديات إلى فرص وتحقيق التقدم والرفاهية، وهو نموذج يمكن أن يُلهم العالم في سعيه نحو تحقيق التنمية والرقي المستدام.

Email