حتى لا ينفلت السلاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاش الاتحاد الروسي نهاية الأسبوع الماضي حدثاً فريداً من نوعه منذ صعود فلاديمير بوتين إلى الحكم قبل 23 سنة، إذ أقدم رئيس قوات «فاغنر» أشهر وأكبر الشركات العسكرية الخاصّة على محاولة وُصفت بالانقلاب والتمرد على المؤسّسات العسكرية للدولة.

رئيس «فاغنر» يفغيني بريغوجين أعلن نهاية الأسبوع الماضي أنّه سيزحف بقواته تجاه العاصمة موسكو في عملية أطلق عليها اسم «مسيرة العدالة» وتستهدف بالأساس قيادة الجيش الروسي، التي يتّهمها بريغوجين بعدم الكفاءة في إدارة الحرب في أوكرانيا.

ومنذ اندلاع النزاعات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا في فبراير من العام الماضي طفت على السطح خلافات كبيرة بين قيادة الجيش الروسي النظامي وتحديداً وزير الدفاع سيرجي شويغو وقائد القوات المسلحة فاليري غيراسيموف من جهة وقائد قوات «فاغنر» يفغيني بريغوجين، من جهة ثانية، ويتّهم هذا الأخير الوزارة مراراً بالفشل في تزويد قواته بالذخيرة الكافية، وإنها «تفعل ذلك عن قصد»، وهي اتهامات وصلت إلى حدّ الزعم بأنّ وزارة الدفاع بدأت التصعيد، من خلال ضربة صاروخية الجمعة الماضي على إحدى قواعد قوات «فاغنر»، وهو الأمر الذي نفته موسكو بالمطلق ووصفته بـ«الاستفزازالإعلامي».

قائد قوات «فاغنر» يفغيني بريغوجين كثف من تصريحاته النارية ضدّ وزارة الدفاع وقيادة الجيش وهو الأمر الذي، وإن يجد بعض الصدى في صفوف الفئات الشعبية، إلّا أنه، يُقابَل عموماً بتململ كبير في صفوف مؤسسات الدولة وبالخصوص العسكرية منها.

ويبدو أنّ يفغيني بريغوجين الذي تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقة قوية، تجاوز هذه المرّة كلّ الخطوط الحمراء، ما دفع بوتين إلى التدخل ووصف ما قام به بريغوجين «خيانة» في وقت تخوض فيه روسيا حرباً خارجية مع أوكرانيا، معلناً أنه سيكون صارماً في تحميل المسؤولية للمتمردين.

تسارعت الأحداث لاحقاً وأعلن الكرملين أن، رئيس قوات «فاغنر»، يفغيني بريغوجين سيغادر إلى بيلاروسيا، على أن يتم إسقاط دعوى جنائية مقامة ضده.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف للصحفيين، «إنّ مقاتلي فاغنر الذين شاركوا في (التمرد المسلح) لن تتمّ ملاحقتهم قضائياً نظراً (لأعمالهم البطولية على الجبهةالأوكرانية)»، مضيفاً أن «المقاتلين الذين لم يشاركوا في التمرد سيُسمح لهم بالانضمام رسمياً إلى الجيش الروسي، ونافياً أن «يؤثر تمرّد فاغنر الفاشل على خطط روسيا في أوكرانيا».

ما جرى في روسيا اعتبره بعض المراقبين الغربيين «تصدعاً في جبهة بوتين الأوكرانية».

وتابعته بالطبع السلطات الأوكرانية في محاولة لاستغلال الوضع لصالحها وتحقيق اختراق ميداني جدّي خصوصاً في ضوء التعطّل الكبير لمحاولة استرجاع الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا.

ما جرى في روسيا كان كذلك محل متابعة جدّية ومشاورات بين القوى المتحالفة ضدّ روسيا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، خصوصاً بعدما لاحت بوادر تفكّك وضعف في منظومة الاتحاد الروسي.

ويمثل مصير النووي الروسي الهاجس الأكبر لهذه القوى الدولية في حال تفكّك الدولة الروسية، لكن تطوّرات الأحداث أبرزت أنّ الكرملن ما زالت له اليد الطولى وتمكّن في ظرف قياسي من السيطرة مجدّداً على الأوضاع وإجبار بريغوجين على التراجع.

وطرح ما جرى نهاية الأسبوع الماضي في روسيا إشكالاً كبيراً حول مسألة أهمية احتكار الدولة للضغط المسلّح وعدم التفويت في هذه الصلاحية الأساسية وتحت أيّ ظرف لأيّ جهة من خارج الدولة، وذلك تحسّباً من سيناريوهات قد تمسّ من تماسكها واستقرارها.

ومعلوم أنّ قوات «فاغنر» قامت بمهمات ناجحة في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وهي تلعب دوراً أساسياً في خطط روسيا في الخارج عموماً، وقد رأى البعض أنّ هذه المهام قد تقود(فاغنر) وزعيمها إلى التغوّل والانزلاق وتغليب المصالح الشخصية على منطق ومصلحة الدولة، وهو الأمر الذي كاد يحصل نهاية الأسبوع الماضي.

إنّ احتكار الدولة للسلاح هو شيء أساسي ومحوري في التنظيم الحديث للدولة وذلك حفاظاً على تماسكها ووحدتها، وإنّ منطق الدولة يجب أن يطغى على مصالح الأفراد والمجموعات وإنّ انفلات عقال السلاح يقود إلى الخراب والفوضى.

 

 

Email